إعلان

أسطورة الشهيد عبد الرحمن المتولي .. بطل الكتيبة ١٠١

د. أحمد عبد العال عمر

أسطورة الشهيد عبد الرحمن المتولي .. بطل الكتيبة ١٠١

د. أحمد عبدالعال عمر
07:06 م الأحد 09 أبريل 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


الأبطال بمعنى الكلمة
ماتوا لم ينتظروا كلمة
ما دار بخلد الواحد منهم حين استشهد
أن الاستشهاد بطولة
أو حتى أن يُعطى شيئاً
للجيل القادم من بعده
فهو شهيد لا متفلسف.

كلمات من نور كتبها الشاعر الراحل نجيب سرور لوصف عظمة فعل ومكانة الشهيد الذي يُضحي بحياته دفاعًا عن كرامة وأمن واستقرار بلاده، والذي يُعطي بتضحيته للبشر في كل زمان ومكان المثل الأعلى في الشرف ونكران الذات.

وهي كلمات تصلح كأفضل مقدمة لرواية حكاية شهيد مصري من طراز خاص، هو الشهيد مُجند عبد الرحمن محمد المتولي، ابن قرية عزبة الشال بمحافظة المنصورة، وبطل معركة "كمائن الشيخ زويد"، الذي عرض مسلسل الكتيبة ١٠١ لبعض ملامح وجوانب بطولته من خلال الدور الذي جسده دراميًا الفنان عمرو وهبة.


ومعركة "كمائن الشيخ زويد" التي جرت يوم ١ يوليو ٢٠١٥، هى المعركة المجيدة التي أفشلت أكبر عملية هجومية تعرضت لها القوات المصرية التي تُحارب التنظيمات الإرهابية في شمال سيناء، وأسفرت تلك المعركة عن سقوط ١٠٠ قتيل من الإرهابيين، واستشهاد ١٧ من الضباط والجنود المصريين.

كان هدف هذا الهجوم الإرهابي الذي تم في توقيتات متزامنة على عدة أكمنة، باستخدام عربات مُفخخة وأسلحة متعددة الأعيرة، إعلان سيطرة فرع تنظيم داعش الذي يطلق على نفسه اسم "ولاية سيناء" على بعض المناطق بشمال سيناء، ليُروج التنظيم الإرهابي للعالم خروج سيناء عن سيطرة الدولة المصرية، كما حدث في بعض مناطق سوريا والعراق.

وكان الشهيد الشاب المُجند عبدالرحمن محمد المتولي، أحد الأبطال الذين تمكنوا من صد الهجوم الإرهابي على كمين الرفاعي بالشيخ زويد، وإفشال هذا المخطط الخبيث.

وقد استطاع الشهيد برغم إصابته برصاصة في جنبه أن يقتل ١٢ تكفيرياً قبل أن يُستشهد برصاصة في رأسه، لتصعد روحه الطاهرة إلى ربه وهو صائم؛ وبهذا صنع أسطورته الخاصة التي يجب أن تُخلد في وعي وتاريخ مصر والمصريين.

وهى أسطورة أن تكون شاباً عادياً من أبناء الأقاليم، تعليمك متوسط، وجهك نحيل مصري بامتياز، يشبه وجوه ملايين الشباب المصريين.


شاب من أبناء البسطاء ملح أرض هذا الوطن، ربما لا يراه في الحياة المدنية أحد، ولا يشعر بوجوده أحد.

شاب بسيط عادي ربما لم يكن لديه أي وعي سياسي أو تاريخي، أو أدنى قراءات عن مفهوم البطولة ومعنى الوطن والواجب، وأحلامه بسيطة؛ وظيفة وبيتا وزوجة وأبناء.

ثم يذهب هذا الشاب البسيط لأداء الخدمة العسكرية مثل كل الشباب المصري، وهو يظنها أياماً صعبة سوف تمر، كما حدث مع أقاربه وأصدقائه.

لكن القدر كان ينسج لهذا الشاب مصيراً مغايرًا، عندما جعله طرفاً في معركة مصيرية كبرى بالنسبة لوطنه، معركة سوف تُكتب في تاريخ العسكرية المصرية بحروف من نور.

وفي هذه المعركة قام هذا الشاب بفعل جينات المروءة والكرامة والشرف التي يحملها في دمه، بواجبه على أحسن وجه، ودافع ببطولة منقطعة النظير عن شرفه العسكري، وعن نقطة خدمته وزملائه وكرامة وأمن بلاده، حتى نال شرف الشهادة، التي جعلت حكايته جديرة بالتوقف عندها وروايتها.

وهنا أتوقف لأتساءل:

ماذا كان يدور برأسك يا عبد الرحمن وأنت مصاب وتُقاتل حتى استشهادك؟

هل رأيت النهاية وتقبلتها بهدوء الأولياء، وسلمت الأمر لصاحب الأمر، بتدين مصري فطري أصيل، والتزاما بكل معايير الشرف والواجب؟

ولكن ما الذي كُشف لك في لحظة النهاية يا عبد الرحمن، وهل كنت تريد أن تقول لنا عند رحيلك كلمات أخيرة عن معنى الوطن ومعنى الواجب؟

هل كنت تود أن توجه رسالة ووصية لأسرتك وأحبائك وأصدقائك، ولكل الشباب من أبناء وطنك؟


أظن أن رسائلك البليغة قد وصلت يا عبد الرحمن، حملها إلينا فعل بطولتك واستشهادك، ولهذا سوف نرفض دائماً أن تُنسى كأنك لم تكن، أنت وكل الشهداء في معارك مصر التاريخية، ومعركة استعادة الأمن في سيناء ومواجهة الإرهاب في عموم البلاد.

ولهذا سوف نستحضر دائماً أسماءكم ومعنى ودلالات بطولاتكم واستشهادكم، وكل القيم التي تجسدت لنا بحضوركم ودوركم.

وهي الدلالات التي كادت أن تضيع في ظل صخب وصعوبة ومتغيرات حياتنا، واهتمامنا بتوافه الأحداث والشخصيات، وفهلوة بعضنا، وصراع الكثير من النخبة السياسية والثقافية على المكاسب والمصالح الشخصية.

في النهاية، لا أجد يا عبد الرحمن كلمات مناسبة لرثائك؛ فكما قيل: "حين يصير الدم مدداً فلتسقط كل الكلمات".


لكني سوف أقول: مدد يا عبدالرحمن يا متولي؛ مدد من فيض حضورك وبطولتك وشعورك الفطري بالواجب، ومحبتك لوطنك.

مدد يمنحنا الأمل، ويُنير لنا الطريق، ويُعلمنا معنى الوطن والواجب وفضيلة التجرد عن الهوى والمصلحة الشخصية والتضحية من أجل الوطن والمثل والقيم العليا.

إعلان