إعلان

نجوم بلا قيمة

د. أحمد عبد العال عمر

نجوم بلا قيمة

د. أحمد عبدالعال عمر
02:31 م الأحد 23 أبريل 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الشهرة والنجومية حلم معظم البشر في كل زمان ومكان، لكنه كان لدينا في مصر حلمًا بعيد المنال، يأتي في كل الميادين بعد حياة من العمل والإجادة والتفوق ليُعطي للإنسان قيمة معنوية في سياقه الاجتماعي، ويهبه منافع مادية، ويجعله شخصية عامة يُنظر إليها باحترام وتقدير.

وهذا لا يمنع وجود حالات استثنائية لشهرة كانت تأتي من خلال الخروج على القانون والعرف والتقاليد، وعبر ارتكاب سلوكيات وأفعال يرفضها المجتمع، لكنها شهرة ونجومية مذمومة تجلب المهانة على صاحبها وأهله، وتجعله مهما حقق من مكتسبات مادية بدون قيمة.

وهذا يعني أن الشهرة والنجومية كانت في الماضي وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي في مصر تُؤسس على امتلاك صاحبها لمواهب ومهارات حقيقية، يقوم على صقلها وتطويرها، ويعمل في ميدانه المهني بصبر وجد واجتهاد لكي يتقدم وينجح، ويحتل الصدارة، ويصبح ملء السمع والبصر، وموضع محبة وتقدير المجتمع، سواء أكان هذا الشخص فنانًا ومطربًا أم صحفيًا أم أديبًا أم مفكرًا أم سياسيًا أم رجل مال وأعمال.

ثم جاءت بعد ذلك ومع سنوات الانفتاح السداح مداح، متغيرات اجتماعية وسياسية وإقليمية أحدثت ظاهرة جديدة في المجتمع المصري، وجسدت بداية الانحطاط فيه، وهي انعدام معايير واضحة للصعود والترقي المهني والاقتصادي والاجتماعي، وبالتالي انعدام معايير حقيقية للشهرة والنجومية.

وقد أدت هذه الظاهرة إلى تشكيل طبقة "مخملية" في المجتمع المصري، لا هي طبقة أرستقراطية ولا متوسطة ولا طبقة شعبية؛ بل طبقة جديدة مزجت بين أسوأ ما في الطبقات الثلاث، وصنعت نجاحها ووجودها عبر الفهلوة والمحسوبية والشطارة وابتذال كل قيمة.

وهذه الطبقة صارت تملك الكثير من المال والسلطة، دون ترافقها ثقافة أصيلة ومنظومة قيمية إيجابية؛ ولهذا شرعت هذه الطبقة "المخملية الرثة" بعد ذلك في تأسيس مناطق نفوذها، وصنع ثقافتها الخاصة وفنها، وصنع نجومها ورموزها.

وهم النجوم والرموز الذين ابتذلوا بأشخاصهم وسلوكياتهم مفهوم النجومية والشهرة المؤسسة على قيم حقيقية، وجعلوها شهرة مؤسسة على "الأفورة"، والخروج على السائد والمألوف، والفضائحية وتعرية الذات، ونشر الأسرار الشخصية.

وهؤلاء "النجوم الظواهر" موجودون في الإعلام، والصحافة، والسياسة، والفن، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى موقع يوتيوب وموقع التيك توك، ومعظم هؤلاء نجوم زائفون، بلا منجز حقيقي أو قيمة، ووجودهم ونجوميتهم ابتذال لمفهوم النجومية، كما أنه إهانة لوجه مصر الحضاري وقوتها الناعمة، ودليل مرض ثقافي أصاب وعي هذا الوطن وأبنائه.

وهو مرض جعل المحبين لمصر الغيورين عليها من أبنائها يتساءلون في حزن شديد:

ما الذي أصاب مصر؟

وهل عقمت عن إنجاب كبار وعظماء في كل مجال كما كانت تفعل في الماضي؟

في النهاية، قديمًا قال الفيلسوف والمشرع الروماني الشهير شيشرون: "إن الشهرة هي مديح الغوغاء".

وكان يقصد بقوله هذا أنها تقوم عند صاحبها على خداع قطاع عريض من العامة والبسطاء، ومخاطبة غرائزهم واحتياجاتهم المادية، وليس على مخاطبة عقولهم وتهذيب أرواحهم.

لهذا أظن أن "شيشرون" لو بُعث اليوم بيننا، فسوف يُصعق تمامًا بعد اكتشافه أن الغوغاء صاروا اليوم أغلب رموز ومشاهير المجتمع ونجومه.

إعلان