إعلان

مصر الحاضرة بمهرجان تطوان لسينما البحر المتوسط… المتجدد دوماً

د. أمــل الجمل

مصر الحاضرة بمهرجان تطوان لسينما البحر المتوسط… المتجدد دوماً

د. أمل الجمل
08:03 م الجمعة 03 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

للعام الثالث على التوالي أسعد بالمشاركة في مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط. تُقام دورته الثامنة والعشرين في الفترة الممتدة بين ٣ - ١٠ مارس الجاري. بذلك يعود المهرجان إلي موعده الثابت الذي اعتاد عليه جمهور تطوان قبل تفشي جائحة كورونا. عقب تفشي كوفيد ١٩ تم ترحيل الموعد إلى يونيو وهو موعد كان يتقاطع مع الامتحانات، وكانت الرطوبة تزداد خلال تلك الفترة، وحرصاً من منظمي المهرجان على استقطاب أكبر عدد ممكن من الجمهور استقر التفكير على ضرورة العودة إلي شهر مارس.

السجن والصحة بالمهرجان

تتميز هذه الدورة بالعديد من الأنشطة في مقدمتها عروض أفلام شديدة التميز من نتاجات البحر الأبيض المتوسط، أفلام أثبتت قوتها وتم استقبالها بحفاوة نقدية، حيث تم انتقاء اثنتي عشر فيلما من ثلاثمائة وخمسين (٣٥٠) ترشيحا للمسابقة الرسمية.

كذلك هناك التكريمات - منها تكريم النجمة المصرية غادة عادل - الندوات والموائد المستديرة، إضافة للعروض السينمائية المخصصة لنزلاء سجن تطوان. وهى تجربة أكثر من إنسانية، كما تُعد واحدة من البرامج الإضافية المميزة لهذه الدورة، فعلى هامش فعاليات المهرجان سيتم تنظيم أربعة عروض سينمائية لأفلام مغربية متنوعة لنزلاء السجن المحلي بتطوان (الأحداث والسجينات والسجناء)، كذلك السجناء الأسبان.

الأمر اللافت أن منظمي المهرجان لم يكتفوا بالعروض لنزلاء السجن، ولكنهم وضعوا ضمن البرنامج تنظيم ورشة في «إدارة الممثل» يقدمها المخرج المسرحي محمد برادة، وكأنهم يحثون السجناء على اكتشاف مواهبهم وتمضية الوقت في الإبداع، وهو أسلوب حضاري بناء. من ناحية ثانية، هناك تعاون واتفاق آخر مع وزارة الصحة متعدد الجوانب بهدف تبنى لغة الفن السابع كأداة للتواصل والتوعية، مثلما تهدف الاتفاقية الى إغناء وتجويد العرض الصحي، وذلك عبر إدماج فن السينما في مجال التوعية والتثقيف لنزلاء مختلف المؤسسات الصحية. كذلك، على هامش تلك الدورة وبالشراكة مع مندوبية وزارة الصحة ستُنظم حملة للتبرع بالدم.

الإعداد النفسي وجذب الجمهور قبل بدء الدورة

سيكون للسينما التركية حضور خاص جداً، فقد تم اختيارها ضيف شرف الدورة، والتي تقدمتها خطوة استباقية، شديدة الذكاء من مؤسسة مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط - بتعاون مع معهد يونس إمراه والسفارة التركية بالمغرب - بتنظيم برنامج «أيام السينما التركية» على مدار ثلاثة أيام بمستهل يناير الماضي، فعُرض مجموعة من أبرز نتاجات السينما التركية التي حصدت جوائز من أعرق مهرجانات العالم في مقدمتها جائزة لجنة التحكيم الكبرى من كان، والدب الذهبي من برلين.

هناك أيضاً تكريم للممثلة التركية فيلدان اتاسيفير، والمخرجة الإسبانية جوديت كوليل، والمخرج المغربي حسن بنجلون، والمخرج الإيطالي دانييلي فيكاري. كما ستنظم ندوة بعنوان «الرقمي، الجمالي» تديرها الناقدة وكاتبة السيناريو الجزائرية الفرنسية نادية مفلاح، بمشاركة الكاتبة يارا يانس والأستاذ والباحث محمد اولاد علا والناقد السينمائي والباحث طارق بن شعبان وأستاذ الدراسات السينمائية دافيد روش.

على صعيد آخر؛ سينظم المهرجان مائدتين مستديرتين، الأولى بعنوان «السينما المغربية اليوم: إمكانات ومفارقات»، يديرها الناقد والمترجم عبد اللطيف البازي العمراني، ويشاركه بالمداخلة الصحفي والناقد محمد جبريل والباحثة في المجال السينمائي ليلى الشرادي والأستاذ الجامعي أنوار أوياشي.

أما المائدة الثانية فتحمل عنوان «جون لوك جوادر، صدى البحر الأبيض المتوسط». كما سيتضمن البرنامج توقيع كتاب عن فيلم «أحداث بلا دلالة» - للمخرج مصطفى الدرقاوي - وذلك بحضوره إلى المؤلفة الكاتبة ليا مورين والناقد والإعلامي أحمد بوغابة.

ناس الكباين/ لمصر

ومصر، بالطبع، حاضرة بأكثر من شكل - إضافة لتكريم غادة عادل - يأتي في مقدمتها لجان التحكيم، حيث تشارك المونتيرة والناقدة المصرية صفاء الليثي ضمن «لجنة النقد» التي تمنح جائزها باسم الناقد المغربي الراحل مصطفى المسناوي الذي اشتهر بحبه الشديد لمصر والذي وافته المنية ودفن فيها أثناء انعقاد مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. كما تشارك المخرجة المصرية هالة خليل ضمن لجنة التحكيم الرسمية.

أما المشاركة الفيلمية، فرغم غياب مصر عن المسابقة الرسمية، لكن هناك مشروع فيلم وثائقي ضمن برنامج جديد يُقام للمرة الأولى ضمن المهرجان وذلك ضمن مسابقة «ورشات تطوان»، برنامج لدعم وتطوير سيناريوهات أفلام طويلة، روائية ووثائقية، تقدم بها كتاب سيناريو ومخرجين ومنتجين شباب ينتمون إلى بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد تنافس في هذه النسخة الأولى من «ورشات تطوان»، التي تشرف عليها مؤسسة مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط لتطوان، ٧٥ مشروعا تم من بينها انتقاء ١٢ مشروعا بإشراف من لجنة مكونة من خبراء ومهني قطاع السينما، ففاز ٨ أفلام روائية طويلة، و٤ أفلام وثائقية طويلة، من بينها الوثائقي الطويل: «ناس الكباين» للمصرية هند بكر.

جدير بالذكر أنه سوف يستفيد أصحاب هذه المشاريع الاثنى عشر المختارة من تدريبات ودروس تكوينية لتطوير سيناريوهاتهم، وصقل مهاراتهم في الكتابة السينمائية، كما تم تخصيص جوائز لأفضل ثلاث مشاريع كتالي: الجائزة الأولى: 70 ألف درهم - الجائزة الثانية: 50 ألف درهم - الجائزة الثالثة: 30 ألف درهم. إضافة لما سبق، سيتم الإعلان لاحقا عن صيغ تسمح بمرافقة أصحاب المشاريع المنتقاة ومساعدتهم على تطوير سيناريوهاتهم.

لاشك أن مسابقة «ورشات تطوان» تُشكل نافذة أمل جديدة لكل مخرج وكاتب سيناريو مستقل يبحث عن الدعم والتمويل والمساندة التي تنفتح على أبواب عدة، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار أن مهرجان تطوان يستضيف كثير من الخبراء الأجانب الأكفاء المشهود لهم بالثقة والجدارة في مجال السينما، وهذا في حد ذاته يُعد مكسباً كبيراً لأصحاب الأفلام المختارة والفائزة.

الوعي بأهمية السيناريو

أغلب القائمين على مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط من عشاق السينما أو ما نطلق عليهم «سينفيليين»، إما نقاد أو مخرجين أو كتاب، أو مصورين، يُضاف إلي ذلك أن المغرب مشهورة برقي وتنوع ثقافتها السينمائية، ربما يُساهم في ذلك أيضاً تأثرها وتفاعلها مع الحركة الثقافية الفرنسية، وربما لأن الثقافة السينمائية، والإنتاج السينمائى لايزال يُدعم من المملكة بخلاف الدول العربية، فهناك لجان لدعم الأفلام، ليس فقط للمشاريع من المغرب، لكن يمكن لمشاريع من الدول العربية والأوروبية نيل حصة من الدعم وفق شروط محددة تتعلق أساسا بارتباط الموضوع بالمغرب، وهناك لجان متخصصة تقوم بقراءة السيناريوهات، وهناك إدراك ووعي كبير بأن الفيلم الجيد ينطلق من سيناريو جيد، لاشيء يأتي من فراغ، أبداً.

لكل ما سبق، سنجد أن إدارة المهرجان التطواني قد ابتكرت برنامجاً أطلقت عليه «من الكتابة إلى الشاشة». إنه عبارة عن ورشة تكوينية مستوحاة من برنامج اكتشاف المواهب Talents en Court وستنظم في الفترة ما بين ٣- ٦ مارس، فعلى مدار أربعة أيام، سيتمحور هذا اللقاء التكويني حول تحليل الفيلمين القصيرين «خارج الموسم»،Hors-saison و«حتى لا يتغير أي شيء» Pour que rien ne change، وذلك بحضور مخرجهما فرانسيسكو أرتيلي. المثير للإعجاب أنه تقرر أن يستفيد من هذه الورشة ١٢ طالب وطالبة منتسبين إلى ثلاثة من معاهد السينما بالمغرب.

ثم، تختتم الورشة أعمالها بتقاسم تجارب وخبرات المخرج الكورسيكي أليكس فيراري. وبموازاة ذلك، سيقدم المخرج طارق بن شعبان عرضا حول السينما التونسية. تهدف هذه الورشة إلى توفير المعلومة والدعم والمواكبة للطاقات الصاعدة، وتمكنيهم من خلق علاقات مهنية في المجال السينمائي. والجدير بالذكر أن هذه الورشة منظمة بمبادرة من المركز الوطني الفرنسي للسينما والصورة المتحركة بشراكة مع مجموعة كورسيكا للتوزيع KVA المسؤولة على البرنامج بالجزيرة وكافة دول البحر الأبيض المتوسط، وبدعم من مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط بتطوان.

بعد كل ما سبق، يبدو أنها ستكون دورة سينمائية استثنائية، رغم كل التحديات الاقتصادية التي تُكبل العالم أجمع، فتحية تقدير لكل صُناع هذا المشهد السينمائى الثقافي في تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط بدورته الثامنة والعشرين.

إعلان