إعلان

سوء تقدير.. وأيضاً سوء نية

سليمان جودة

سوء تقدير.. وأيضاً سوء نية

سليمان جودة
07:05 م الأحد 26 مارس 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


طرحت الصين مبادرة لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، ورغم أنها المبادرة الثالثة لوقف هذه الحرب العبثية، إلا أن الواضح أنها يمكن أن تلحق بمبادرتين سابقتين.

كانت المبادرة الأولى من جانب البابا فرنسيس الأول، بابا الڤاتيكان، وكان الرجل صادقاً في رغبته في وضع حد للحرب، وكان قد طرح مبادرته على هذا الأساس، ولم يكن يميل الى طرف من طرفي الحرب دون الطرف الآخر، وكان الأمل أن تنجح مبادرته ولكن سوء الحظ حالفها فماتت في مكانها.

ومن بعده، جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فطرح مبادرة من جانبه، وكان ذلك في ديسمبر ٢٠٢٢، وكان يتحدث فيها عن استعداد لديه للجلوس مع "كل أطراف الحرب" على الجبهة الأخرى، وكان حديثه بهذه الصيغة يدل على إنه يعرف أنه إذا جلس مع الطرف الآخر في الحرب، فلن يكون هذا الطرف هو أوكرانيا بمفردها كما قد نتصور، وإنما سيكون عليه أن يجلس مع الغرب بوجه عام، لأن هذا الغرب متمثلاً في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفائهما، هو الطرف الفعلي في الحرب في مواجهة الروس.

ورغم ذلك ساء حظ مبادرة بوتين، بمثل ما ساء حظ مبادرة البابا، وصارت المبادرتان جزءاً من التاريخ، ولم يعد أحد يتذكرهما فضلاً عن أن يتحدث عنهما.

ثم كان العالم على موعد مع المبادرة الصينية، التي حملها معها الرئيس الصيني شي جينبينج، في أثناء زيارته الى موسكو قبل أيام.

وكانت لهذه المبادرة مقدمات، وكانت مقدماتها في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي انعقد في المانيا فبراير الماضي، والذي شهد الإعلان عن المبادرة الصينية من فوق منصته على لسان وزير الخارجية الصيني.. والذين تابعوا أعمال المؤتمر يذكرون أن ما قاله الوزير كان له صداه في الإعلام ، وأن الوزير قال إن بلاده ستحمل المبادرة إلى طرفيها على الفور وبمجرد انتهاء المؤتمر.

وما كادت أيام قليلة تمضي على مؤتمر ميونيخ، حتى كان الرئيس شي يحمل المبادرة الى روسيا، ومن هناك أعلنها على العالم وقال إنها مبادرة تتكون من ١٢ بنداً ، وأن جوهرها هو وقف الحرب على الفور، ثم البدء في التفاوض بين الطرفين.

ومن شكلها تفهم أنها منحازة إلى طرف دون طرف. وأن هذا الطرف الذي تنحاز إليه هو موسكو، وإلا، ما كانت قد اقترحت أن يتم وقف القتال في الحال .. إن معنى وقف القتال في الحال أنه سيتوقف بينما روسيا تحتل ما تحتله حالياً من الأراضي الأوكرانية، ولا شيء بالطبع يضمن أن يؤدي التفاوض الى إعادة هذه الأراضي إلى الدولة الأوكرانية، وبالتالي، فمن الممكن أن ينطلق التفاوض حولها ، ثم يستمر الى ما لا نهاية.

وعندما سمع الرئيس الأمريكي جو بايدن بالمبادرة الصينية، قال إن مجرد تصفيق بوتين لها عند الإعلان عنها، يدل على طبيعتها المنحازة وعلى مدى انحيازها إلى الروس . . وهذه حقيقة لأن روح المبادرة أقرب إلى موسكو منها إلى الغرب.

وقد كان الأمل ألا تنحاز بكين إلى موسكو الى هذه الدرجة ، وأن تطرح مبادرتها عن رغبة صادقة في أن تكون عادلة بين الطرفين، ولكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولذلك، بدت الصين وهي تطرح ما تطرحه أقرب الى روسيا منها الى الطرف الثاني، رغم حرصها منذ بدء الحرب على أن تبدو بعيدة عن الانحياز لطرف دون طرف.

كانت الحرب الروسية على أوكرانيا قد دخلت عامها الثاني في ٢٤ فبراير من هذه السنة، وكان اشتعالها قبل هذا التاريخ بسنة قائماً على سوء تقدير لدى الطرف الروسي، واليوم يبدو أن استمرارها يتغذى على سوء النوايا لدى كل الأطراف.

إعلان