إعلان

فلسفة ارتكاب الخطأ وتصحيحه

د. إيمان رجب

فلسفة ارتكاب الخطأ وتصحيحه

د. إيمان رجب

* زميل أبحاث مقيم بكلية الدفاع التابعة لحلف الناتو بروما

ورئيس الوحدة الأمنية والعسكرية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

08:32 م الإثنين 27 فبراير 2023

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هناك مقولة مشهورة في مجتمع الأعمال "الموظف الجيد من الممكن أن يرتكب أخطاء والقائد العظيم هو من يسمح له بارتكاب الخطأ".

تشير الممارسة العملية إلى أن وقوع الخطأ في حد ذاته لا يعد مؤشرا على الفشل، فارتكاب الأخطاء مسألة متوقعة في أي بيئة لاسيما في ظل عدم القدرة على توقع وتنبؤ ما يمكن أن يجري؛ فلا يمكن تجنب الأخطاء بنسبة 100%. وهناك مقولة مشهورة وهي أنه "إذا لم ترتكب أي خطأ فإنك لا تفعل أي شيء."

وبالتالي لا تتعلق القضية بارتكاب الخطأ أو عدم ارتكابه، ولكن بكيفية التعامل مع الخطأ، فما يؤشر لعدم الكفاءة والفشل هو عدم الاعتراف بالخطأ أو عدم اتخاذ إجراءات لتصحيحه.

تعلمنا في الصغر أن الاعتراف بالخطأ فضيلة، ولكن الحياة العملية تفيد بأن هذه العبارة ناقصة، فلا يعد الاعتراف بالخطأ كافياً للقدرة على التطوير والتغيير، فهناك نمط من الشخصيات قادر على ارتكاب الخطأ والاعتراف بأنه ارتكب خطأ ما والاعتذار لكل من تأثر سلبا بالخطأ الذي ارتكبه، ولكنه يكرر الخطأ مرارًا وتكرارًا.

وهناك نمط آخر من الشخصيات غير قادر على الاعتراف بالخطأ ويميل لإنكار أنه ارتكب خطأ من الأصل، وتكون النتيجة التمادي في الممارسة التي تعد خطأ وبالتالي استمرار تاثيرها السلبي على كل الأطراف المعنية.

والتأثير السلبي لهذا النمط الأخير من الشخصيات على مجتمعاتهم يتعدى دوائر المعارف والاقارب إلى الأطراف التي تتعامل مع وتتأثر بمختلف القرارات التي يتخذونها بحكم الأدوار التي يمارسونها في المجتمع.

وهناك نمط آخر من الشخصيات قادر على إدراك الخطأ والاعتراف به والعمل على تجنب تكراراه، وعلى اتخاذ اجراءات معنية بمعالجة كل النتائج السلبية التي نتجت عن ذلك الخطأ.

والفرق بين هذه الانماط ليس له علاقة بالاخلاق والقيم التي نشأوا عليها، ولكن له علاقة وطيدة بقدرة كل من هذه الشخصيات على تطوير أنفسهم وبالمهارات التي يتمتعون بها، فهناك فرق كبير بين إنكار ارتكاب الخطأ وبين الاعتراف بالخطأ وتصحيحه وبين منع الخطأ.

فالشخصيات التي تمتلك القدرة على ارتكاب الخطأ والاعتراف به أفضل من تلك التي ترتكب الخطأ وتنكر أنه خطأ، والشخصيات التي تعترف بالخطأ وتعمل على تصحيحه أقل احترافية من تلك التي تستطيع منع الخطأ من الأصل تجنباً لهدر الموارد التي هي بطبيعتها محدودة.

لقد أصبح التعلم من الأخطاء مهارة متطلبة بشدة ليس في قطاع الأعمال فقط ولكن في العمل الحكومي أيضًا، ومؤخرا بدأ عديد من دول العالم تهتم بتنمية هذه المهارة لدى كل من يتولى وظيفة قيادية في الجهاز التنفيذي للدولة أو يمثل الدولة في الخارج.

ورغم ذلك فإن الاهتمام بانماط الشخصيات من حيث قدرتهم على التعامل مع الأخطاء يظل له الأسبقية في مجتمع الاعمال، خاصة وأن هذا القطاع يستند لاعتبارات المكسب والخسارة ولأن وقوع الخطأ فيه يولد تكاليف مباشرة وغير مباشرة قد تعرض الشركة أو المنشاة لخطر الإفلاس.

وبصفة عامة، تكتسب الشخصيات القادرة على معالجة الاخطاء والتعلم منها مهارات متمايزة عن غيرها، ومنها مهارة معرفة نوع القرارات التي لا ينبغى اتخاذها، ومهارة التحرك بذكاء من خلال التفكير في التداعيات المتوقعة لاي إجراء قبل تنفيذه أو لأي قرار قبل اتخاذه، فضلا عن اكتسابها مهارات جديدة ناتجة عن تجربة الوقوع في الخطأ الذي يظل معناه نسبياً يختلف باختلاف المجتمعات والظروف.

إعلان