إعلان

والقرش بالحداقة بنجيبه من الهوا

شريف بديع النور

والقرش بالحداقة بنجيبه من الهوا

شريف بديع النور
08:49 م الخميس 07 يوليه 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

صدر أول قانون في مصر لمكافحة التسول، سنة 1933، حوالي 90 عاما مروا على اصدار هذا القانون والظاهرة تزداد، حسب دراسة أجريت من 6 سنوات فعدد المتسولين في القاهرة يقارب الخمسة آلاف وفي مصر كلها 41 الف متسول، أشك في العدد، بالتأكيد أكبر، ورغم كل الحملات الإعلامية والتي شيطنت المتسولين أحيانا، وصورتهم في بعض الأعمال الدرامية بأنهم من أصحاب الأملاك والثروات، وهي حقيقة كشفتها الصدف بعد وفاة البعض، إلا أن الظاهرة مستمرة، واستمرارها واستفحالها ينبغي أن يفرض علينا بعض الاسئلة، كما يفرض علينا البحث عن حلول.

مثلا، في ظل المليارات التي يتبرع بها الناس عن طريق مؤسسات العمل الأهلي، وفي ظل المليارات التي ترصدها البرامج الاجتماعية المختلفة للدولة وعلى رأسها حياة كريمة، لماذا يزيد المتسولين؟ في ظل عقوبات القانون لماذا لا يرتدع أحد؟ هل يتم القبض على المتسولين فعلا؟ هل ينفر الناس من المتسولين ويتعاطفون معهم، يشكوا فيهم ويضعوا ايديهم في جيوبهم لمساعدتهم في الوقت نفسه؟

أيضا ماذا عن المهن المساندة والمساعدة للتسول، نتحدث عن عشرات الآلاف من المتسولين، ومعهم عشرات الآلاف الآخرين من مستتري التسول، يعني من يجبرك على الدفع نظير ادعاء مسحه لزجاج سيارتك في الاشارات، من تعرض عليك شراء مناديل ورقية في الغالب لا تعطيها لك لأنها فقط تبحث عن "الحسنة" المغلفة في ثوب "التجارة والشقى"، من يحاول ايهامك بقيامه بعمل غير موجود فقط ليستدر عطفك، الكناسين الذين لا يحركوا مكانسهم ويكتفون بالاشارة لسائقي السيارات لاستدرار عطفهم، احيانا التبرع للإيد الشقيانة يجذب تعاطف أكبر، هذا إذا كانت شقيانة.

المثير للاهتمام أن أماكن وقوف هؤلاء تكاد تكون ثابتة، ابحث عن أي "ملف" أو "إشارة" ستجدهم، ابحث عن أي شارع مزدحم، هناك شخص يقف في طريق الواحات يحمل لافتة يطلب فيها من الناس التبرع له، يقف في نفس المكان كل يوم.

طالما نتحدث عن ظاهرة تشمل عشرات الآلاف من المصريين، بعضهم قد يشكل خطرا على مئات الآلاف من المصريين، خطرا من الناحية الجسدية حيث قد يتحرش البعض جسديا لإخافة ضحاياه، أو من الناحية النفسية بابتزازهم نفسيا، أو حتى من الناحية المادية، فلماذا لا يحدث تحرك على مستوى الدولة لحل الموضوع، القانون المصدق عليه من الملك فؤاد سنة 1933 لم يجد حلا، علينا التدخل لإيجاد الحل.

لماذا لا ننشئ جهازا خاصا لمكافحة التسول، جهازا يتشكل من وزارة التضامن الإجتماعي ووزارة الداخلية وممثلين عن الجمعيات الأهلية الكبيرة وصندوق تحيا مصر، تخرج حملات من الجهاز للبحث عن المتسولين، من تجده تلقي القبض عليه وفي مقر الجهاز يتم اجراء فحوصات طبية عليه، هل تتذكروا الفتاة التي هربت من أهلها للشارع وتبين أنها تعمل في الدعارة ومصابه بالإيدز، لا نبحث عن الإيدز وحده، قبل كل شيء هم مصريين وحفهم على الدولة والمجتمع حمايتهم، قد يكونوا مصابين بأمراض تحتاج للعلاج، قد يكونوا من أصحاب الأمراض النفسية التي تستوجب رعاية خاصة.

إذن فالكشف الطبي هو الخطوة الأولى التي يخطوها المتسول في الجهاز، الخطوة الثانية تكون بالكشف عليه جنائيا، من أدرانا إنه ليس هاربا من العدالة، مجرم يتستر في زي المتسول لرصد موقع جريمة جديدة، أو حتى لترويج المخدرات.

نأتي للخطوة الثالثة، وهي الكشف على حالته الاجتماعية، هل هو بالفعل مستحق للصدقة؟ هل يجب أن يقف المجتمع بجانبه ويدعمه؟ إذا كان لا يستحق فهو مجرم يحول للنيابة وتنتهي خطواته في الجهاز، إذا كان بالفعل مستحق ينتقل للخطوة الرابعة حيث يتم وضعه في رعاية إحدى الجمعيات أو ضمه للمستحقين لبرنامج تكافل وكرامة أو ضمه لإحدى دور الرعاية الاجتماعية .

هذا عن أول مرة يتم فيها إلقاء القبض عليه، ماذا عن المرة الثانية؟ المرة الثانية إما تعني إنه غير مستحق للصدقة ولكنها احترفها ويجب معاقبته كمجرم، أو إنه يتم مساعدته بالفعل ولكنه اعتاد الدخل المرتفع بدون مجهود فيسعى للزيادة، لا تتوقع مساعدة تجعلك تعيش في رفاهية، المساعدة تساعدك على العيش بكرامة على حد الكفاف، تريد الرفاهية إنزل للعمل واجتهد، إذا تم القبض عليه مرة أخرى يتم تحويله للنيابة بتهمة التسول.

هنا يجب تحديث القانون الخاص بالتسول، تحديث العقوبات وجعلها تصاعدية ورادعة في الوقت نفسه، حتى يفهم من تسول له نفسه التسول أن العقاب شديد.

جهاز مكافحة التسول يمكن أن يشكل حلا يراعي ما بين الحماية الاجتماعية للمحتاجين وتيسير الوصول اليهم وحماية المجتمع من النصب والجرائم وحماية شكل وصورة مصر في الأماكن السياحية حيث يشكل التسول أسوأ صورة يمكن تصديرها.

إعلان