إعلان

مقعد فى ردهة الانتظار .."قصة قصيرة"

د. هشام عطية عبد المقصود

مقعد فى ردهة الانتظار .."قصة قصيرة"

د. هشام عطية عبد المقصود
08:47 م الجمعة 29 يوليه 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تأتى قادمة من ركن بعيد، ومنذ أن تطل عيناك عليها ستعرف من ملامحها ثم شكل ملابسها أنها فتاة بسيطة، ربما تعمل لدى إحدى الأسر وترافقهم، فوجودها فى المكان يمكن إدراكه على هذا النحو، ثم وهى تقترب يمنح وجهها تعبيرا عن مرحلة سنية تبدو فيه صغيرة نسبيا، يظن ذلك ذلك وهى تمر سريعا، حيث يبدو جانب الوجه موحيا بذلك.

حين ثبتت فى مكانها ظهر أنها ليست هكذا تماما بل أكبر مما بدت، تدخل الى بهو واسع على شكل مستطيل تحيطه من أضلاعه الداخلية كراسى متلاصقة بطول كل جانب، بينما ينفتح أحد أضلاعه ويخلو تماما ليشكل مدخلا للجالسين والقادمين فى انتظار الدخول الى حيث غرفة الطبيب فى ذلك المستشفى متعدد الأدوار.

تقود الفتاة ذراعى كرسى متحرك يجلس عليه رجل يبدو من هيئته عجوزا ربما بتأثير المرض، يتحرك الكرسى بطيئا بينما رأس الرجل يميل نحو اليمين قليلا، لا تعبير محدد على ملامحه، صامت ينظر نحو الأسفل ويداه ممددتان على ساقيه، يرتدى تى شيرت قطنى، ملابس تبدو منزلية وكأنه لم يأت من خارج المكان، وإنما هو فى مرور دورى أو عاجل على الطبيب، يبدو الرجل وقورا صامتا، عيونه تذهب نحو الأسفل، لا أحد فى رفقته سوى تلك الفتاة.

تعيد الفتاة ضبط الكرسى المتحرك ليكون فى مواجهتها وهى تجلس على أحد مقاعد الإنتظار، تلتقط كفيه وتقبلهما بحنو بالغ، وتمر بباطن كفها على جبهته تمسح شيئا غير ظاهر، ربما حبات عرق لاحظتها لقربها أو ربما تمنحه طمأنينة، استرخى وجه الرجل وهى تقول بصوت مسموع غير ملتفتة للحاضرين: إن شاء الله خير، ثم تكمل: ربنا يخليك ليا.

لا شئ يبدو مصنوعا أو كاذبا فى كلامها للرجل الصامت الذاهل الناظر للأسفل، والمائل الى اليمين فى جلسته، تعيد تمرير يدها على جبهته، تفعل ذلك أمام الجميع لرجل يظل صامتا وعيونه مثبتة فى اللاشئ، هما وحدهما يجلسان فى الطرف الداخلى للبهو قريبا من باب غرفة الطبيب، تقف أمامه وتحيطه بيديها، يمد يديه ذلك الصامت طوال الوقت ليتشبث بها، يمسك بها فتنحنى لتقبل يديه مرة أخرى، هل استيقظ الرجل فجأة وتوا من صمت يبدو كإغماءة مطولة، لايستطيع التحدث ولا يحاول، لكن عيونه ترتفع قليلا وكأنها تقول للفتاة شيئا بلغة يعرفها كلاهما.

عيون الفتاة مرهقة تبدو مانعة لدموع توشك أن تنهمر، ترتد الى خلف الكرسى المتحرك، تترك يدها اليمنى له وتستمر فى تحريك الكرسى بيدها اليسرى نحو غرفة الطبيب التى ينفتح بابها، يدخلان وتغلق الباب خلفهما، دقائق وتخرج لتجلس على إحدى الكراسى المتاحة الفارغة فى مكان الإنتظار، تظل عيونها تلاحق باب الغرفة، وتلاحق الممرضة التى تخرج وتدخل عدة مرات من غرفة الطبيب، ثم تمضى لتقف الى جوارها قبل أن تغلق الباب ثانية، تلتقط نظرة نحو الداخل وتمضى نحو مقعدها، الإيشارب الذى يحيط برأسها ليس محكما تماما ويتهدل قليلا فتظهر ألوانه الكثيرة المختلطة، تبدو هنا أكبر سنا تماما، الوجه النحيف الحاد، وانتفاخ ما تحت العينين يبدو مؤكدا على إجهاد طويل يشى به إحمرار العيون الواسعة.

تلمح الفتاة الممرضة قادمة فى اتجاه غرفة الطبيب فتسرع لتقطع عليها طريق الدخول وتسير معها، حين تمسك الممرضة بمقبض الباب لتفتحه قليلا تسرع الفتاة بمد رأسها معها داخل الغرفة، وتعود لتجلس حينما تغلق الممرضة الباب، لا تنظر أبدا لمن حولها فى الكراسى المجاورة كأنها لاتراهم أو لاتسمع شيئا مما يجرى بينهم من حديث يبدو صوته واضحا أحيانا، تقف وتتحرك فى اتجاه الغرفة، تطرق الباب خفيفا، تظل تطرقه، ينفرج الباب قليلا ويظهر وجه الممرضة، يتحدثان وهذه المرة تتقدم قليلا وهى تنظر الى داخل الغرفة، تقول شيئا هادئا توجهه نحو من بالداخل بينما الممرضة تنظر أيضا معها داخل الغرفة، تسمح لها الممرضة بالدخول ويغلقان الباب.

إعلان