إعلان

معجون كلام.. طماطم غانا والعبودية الجديدة

شريف بديع النور

معجون كلام.. طماطم غانا والعبودية الجديدة

شريف بديع النور
07:00 م الخميس 05 مايو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يبدو أن الشعارات الاقتصادية التي ترفعها الدول الغنية تظل صالحة للاستخدام بالنسبة لها طالما تحقق مصالحها الاقتصادية فقط، فالعدل واقتصاديات السوق الحر والأسواق المفتوحة للتنافس في ظل قرية كونية صغيرة هي قيم ممتازة طالما تخدم اقتصاد مروّجيها، وفي حال تحولها للجانب الآخر يصبح تغييبها هو الحل الأمثل ببساطة.

تقرير أخير اطلعت عليه يبين أن زراعة الطماطم في غانا مهددة بسبب استيراد معجون طماطم رخيص مزروع في ايطاليا، حتى إن من يسمون بـ"ملوك الطماطم" في غانا أصبحوا على حافة الإفلاس، فرغم جودة بضاعتهم إلا أنها سريعة التلف، والمستهلك يفضل الطماطم الأوروبية الرخيصة بفارق كبير، ولكن كيف أصبحت طماطم إيطاليا أرخص رغم ما يضاف عليها من تكاليف الصناعة والتغليف والنقل؟

ببساطة، أجبر الاتحاد الأوروبي غانا على توقيع اتفاقية غير متكافئة للتجارة الحرة تدخل بموجبها البضائع الأوروبية معفاة من الجمارك، حتى الآن تبدو المنافسة في صالح المنتج المحلي خاصة أننا نتكلم عن محاصيل زراعية في دولة غنية بالأراضي الخصبة، ولكن هنا يتدخل الاتحاد الأوروبي لضرب طماطم غانا وذلك بتقديمه دعما نقديا لمنتجي الطماطم في إيطاليا، مما يجعل المنافسة غير متوازنة على الإطلاق.

الغريب وبالبحث خلف المسألة وجدت أن أغلب الأيدي العاملة في حقول الطماطم في إيطاليا هم من الأفارقة الوافدين عن طريق الهجرة غير الشرعية، وهي أيدي عاملة رخيصة للغاية لا تزيد يومية العامل منهم على ثلاثة يوروهات في اليوم وهو ما يوفر للمنتجين الكثير من المال يزيد من دعمهم في مواجهة الأسواق في القارة السمراء.

هنا تصبح المعادلة غريبة، فمزيد من الإفقار للقارة السمراء عن طريق إغراق أسواقها بالبضائع الأوروبية، يؤدي إلى مزيد من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا لتزيد حالات الاتجار بالبشر والعمل في ظروف تشبه ظروف العبودية في الأزمنة الغابرة.

وحتى تكتمل الصورة وجدت تقريرا يتحدث عن أن مواطني غانا الدولة صاحبة ثاني أكبر إنتاج للكاكاو في العالم لم يتذوق أغلبهم "الشيكولاته" أبدا حتى إنها لا تباع في متاجر غانا إلا في نقاط قليلة، هناك دراسة تؤكد أن أغلب مزارعي الكاكاو في غانا لم يتذوقوا الشيكولاته أبدا! لكن لماذا لا تصنع غانا الشيكولاته وتصدرها؟

الإجابة بسيطة، فالاتحاد الأوروبي يفرض رسوما على استيراد المواد المصنعة، وبالتالي يصعب على المنتجين تصدير شيكولاته مصنعة، بينما يمكنهم بسهولة تصدير الكاكاو كمادة خام، ضع بجانب ما سبق عدم قدرة حكومة دولة نامية كغانا على دعم صناعتها فستفهم لماذا تتخلف اقتصاداتنا أكثر.

اللافت في المسألة أن التضرر بسبب الدعم الحكومي لخلق سوق غير عادل لا يقع دائما على الفقراء، ففي تقرير يتحدث عن وادي الشمس في ألمانيا والذي قامت الحكومة الألمانية بدعم شركاته ماليا بعد الوحدة بين شطري ألمانيا في إطار دعمها للصناعة في شرق المانيا، استطاعت إحدى الشركات المدعومة نقديا فيه من قبل حكومة ألمانيا الاتحادية أن تصبح أكبر منتج للخلايا الشمسية في العالم، استمر هذا الوضع عقدين قبل أن توجه الصين اهتمامها لنفس المجال وتقوم حكومتها بتخصيص ميزانية أكبر للدعم النقدي للشركات المتخصصة في صنع الخلايا الشمسية، ومع الوقت وبسبب قرار الحكومة الألمانية بوقف الدعم المالي للمصنع في وقت لاحق لم يستطع الصمود أمام الصين ليغلق أكبر مصنع منتج في العالم للخلايا الشمسية أبوابه ويصبح في خبر كان.

السوق مليء بالوحوش، ولا توجد وحوش وديعة، طبيعة الوحش وفطرته أن يأكل الكائنات الأصغر منه وأن يتصدى للوحوش الأخرى حتى لا تدخل منطقة نفوذه، فلو لم تكن وحشا عليك إيجاد الطريقة لتحمي محيطك من الوحوش الأخرى، فالنوايا الطيبة لا تحمي الطماطم.

إعلان