إعلان

حياتنا ظل حلم عابر

د. أحمد عمر

حياتنا ظل حلم عابر

د. أحمد عبدالعال عمر
09:03 م الأحد 22 مايو 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

التشاؤم اليوناني مصطلح يعرفه دارسو الفلسفة والحضارة اليونانيتين القديمتين؛ حيث كان هناك ميل دائم لدى اليونانيين القدماء إلى انتقاد الحياة ورفض منطقها غير العادل، والقول بتعاسة وشقاء الإنسان ومحدودية وهشاشة وجوده وقدرته، وظلم الآلهة والأقدار له.

ولهذا حفلت "الإلياذة" و"الأوديسة" - الملحمتان العظيمتان اللتان كتبهما شاعر اليونان العظيم هوميروس، وصارتا من بعده إنجيلًا لليونانيين - بالكثير من النصوص التي تُشير إلى أن البشر مجرد ألعوبة في يد الآلهة التي تريد أن تفرض سلطانها عليهم وتصنع أقدارهم ومصائرهم.

كما نجد أصداءً لهذا التشاؤم اليوناني في الشعر التراجيدي اليوناني القديم، الذي أبدعته الروح اليونانية في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، والذي يحفل بصرخات الغضب واليأس من عجز الإنسان، وظلم الأقدار له، والشقاء الذي يطغى على حياته القصيرة التي هي أشبه ما تكون بظل حلم عابر.

يقول هوميروس في الإلياذة: "ليس هناك بين المخلوقات التي تتنفس على الأرض أو تزحف عليها، ما هو أكثر تعاسة من الإنسان".

وهو نفس المعنى ذاته الذي تكرر في "الأوديسة" حيث يقول هوميروس على لسان بطلها أوديسيوس: "لا شيء تُغذيه الأرض أضعف من الإنسان دون سائر المخلوقات التي تتنفس، وتتحرك فوق الأرض؛ لأنه يعتقد أنه لن يعاني الشر قط في أيامه القادمة، طالما تهبه الآلهة الرخاء وركبتاه سريعتان؛ حتى إذا ما عادت الآلهة، وكتبوا له الحزن، احتمله بامتعاض بالغ وهو راسخ القلب".

ولعل أكبر عجائب الروح اليونانية أن تلك الأفكار التشاؤمية لم تدفع الإنسان اليوناني القديم للقعود واليأس، وترك العمل، بل سعى للإبداع والعمل والاستمتاع بكل حظة في الحياة؛ ولهذا صنع ما أطلق عليه الباحث القدير في تاريخ الأساطير والدين مرسيا إلياد، "المثل الأعلى اليوناني للحياة المنبثق من اليأس"، والذي عبر عنه هوميروس في "الإلياذة" بقوله: "عش بالكامل في الحاضر، لكن بشرف".

وأظن أن هذا المثل الأعلى الإنساني اليوناني، الذي يجعل شرف الوجود الإنساني العابر يكمن في العمل المستمر لتحقيق الأفضل، وقبول تحدي الوجود، رغم هشاشة الإنسان، وظلم الآلهة، ومفارقات الأقدار، هو ما صنع في زمن قياسي معجزة الحضارة اليونانية القديمة التي لا تزال الإنسانية إلى اليوم تعيش على الكثير من إبداعاتها وأفكارها ومنجزاتها.

وهو كذلك المصدر الفكري أسّس عليه الفيلسوف الإيطالي "أنطونيو جرامشي"، مقولة "إن الفلسفة هي تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة"، التي أطلقها في ثلاثينيات القرن الماضي.

وهي المقولة التي تعني أن العمل المستمر هو أفضل وسيلة لخلق وتطوير استراتيجيات الأمل والتغيير نحو الأفضل ونيل شرف الوجود، والسعي للاستمتاع بالعيش، مهما كان حجم المُبررات النظرية العقلية التي تدفع الإنسان لليأس والإحباط وفقدان الأمل.

إعلان