إعلان

مواقيت رمضانية.. انقطاعات الأيام "العادية"

د.هشام عطية عبد المقصود

مواقيت رمضانية.. انقطاعات الأيام "العادية"

د. هشام عطية عبد المقصود
07:01 م الجمعة 01 أبريل 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

قرأنا أطفالا وكبارا وعرفنا كثيرا عن فيوضات وأثر صوم شهر رمضان على أفئدة البشر وأيضا على شكل الحياة في أيامه، وقدم المتحدثون تلك اللفتات والمساعي لبناء سياقات شارحة شتى بعضها حملته كتب التأريخ الموغل القديم في أزمن رمضان الفائتات، وبعضها عشناه وصار يبدو قديما قياسا إلى أنفسنا ومراحل أعمارها، يبقى أو يعاود نتيجة توارد وتكرار تعبيراته عبر الزمن وعبر وسائل الإعلام، وحيث يمضي تلقين البعد الاجتماعي رحيبا والإنساني عميقا لدى طفولة مدارسنا عن حكمة عامرة تتأسس على فكرة نبيلة هي مشاركة البسطاء في معاناتهم الدائمة والإحساس بمن لا يتوفر لديه ما تيسر لآخرين طوال الوقت من طعام وغير ذلك من منافع للناس إذ يجتمعون على الصوم، وكبرنا فعرفنا أن هذا سياقا ناسب مدارك طفولتنا وأن المغزى أوسع كثيرا وأرحب أكثر فضلا عن تعدد الأبعاد، حيث شهر رمضان هنا يبث مدارات الإحساس بمن حولنا إذ يؤكد أهمية ذلك ووجوبيته كفرض ديني وأيضا كضرورات حياة وسبيل للرحمات، تزيل هما وقلقا وأيضا غضبا وتبني مسارات التقاء بين بني البشر على اختلاف حظوظهم من الحياة.

يدفع المزيد من التأمل الإنسان للتفكير في مدارت حكمة موازية أو اكتشافات تتأكد عبر الوقت لتشكل ضفيرة ما هو مستفاد أو متحقق من أثر لصيام شهر رمضان، لعل أولها هو كيف نحمد الله دائما وأن نتحلى بذائقة تقدر ما يتاح، نعم الأشياء التي اعتدنا ألا نمنحها قيمة فارقة ومن فرط إتاحتها اكتسبت إهمالا لقيمتها، والتى شغلنا النظر بغيرها مما هو ليس متوافرا لدينا عن النظر إليها تعاليا أو جهلا أو اعتيادا، لنعرف أن حسب الإنسان حقا- خارج الإنشغال الجم بكل الأشياء الكبيرة التائهة التي نتحرك حولها ونحوها - لقيمات يقمن صلبه، يمنحنا الصيام دخولا لساحة تعظيم المتاح الجميل، من دون أن يحول بين فكرة السعي في الكون كمصير وطريق، ولكن برحمة ورجاء.

تتوالى القيم الموازية الأخرى يمنحها صوم رمضان وهو يصنع حضورا مختلفا في الثقافة والعادات، حين تعيد النظر لدورك فى الكون ومنجزك وما هو يمثل إضافة وغيره مما لايعنى سوى تكرار وهامش، مساحة إعادة ضبط قيمة وحضور الأشياء والناس في مدارك، ثم تعلية مقامات التسامح والقرب، وهنا ستجد كثيرا من الناس أكثر صفاء وأكثر طيبة وأكثر استعدادا ليكونوا أبهى خلقا وسلوكا، ستدرك أنها منحة رمضان فيوضات تتجلى على القلوب والسلوكيات تغمر الزمان والمكان.

يشكل اجتماع الأسر على طعام الإفطار ملمحا إنسانيا رمضانيا يجعلك تسأل: كيف يصعب ذلك فى غيره حتى ليكاد يستحيل أحيانا طوال أيام وشهور ممتدة أخرى، هى روحانيات تصبغ الروح فتعمل أثرها وتبقى عطرا عبقا أخاذا، حيث يجتمع شمل أفراد الأسر والعائلات التي غابت أو بعدت لأسباب مطاردة فرص الحياة المراوغة أو غير ذلك وما هو دون ذلك كثيرا أو قليلا، يجتمع كل هؤلاء ويتشاركون طعم التمرات وهي تدخل الفم سائغة كأنها أشهى طعام الكون مشبعة بصوت الأذان ونوايا الدعاء الكريم لكل الناس أن يتقبل الله ويعفو عما يعرف.

ويشكل الحضور البهي للصغار فى مركز الأيام الرمضانية نقلا تلقائيا لذاكرة الفرح والائتلاف فتتشكل عقود قادمة من حفظ العهد الرمضاني، ويصنع لدى من يكبرون مع الوقت مادة خام لذكرياتهم القادمات، تثبت ملامح الجدود والجدات والآباء والأمهات، وسيكون "السيلفي" صورا هنا تعبيرا زمنيا ملائما وراصدا لتاريخ البشر والمكان والطعام عبر ذاكرة الموبايل والكمبيوتر كسجل تاريخ معاصر لحياتهم ومشاهدهم ينمو معهم على مهل كشجرة الحياة الوارفة، ويتأكد فى مساءات شهر رمضان وعبر صلاة التروايح وما يليها من أمسيات السهر والحكى لتتشكل حالة دفء وإئتناس لا يتشكلان في غير رمضان.

سيمنحك رمضان حالة صفاء مع الكون ويثبت في ذاتك تساميا لا تمنحه الأيام "العادية"، حيث ييسر ودون كبير جهد التعرف على الضرورى، والارتكان إلى ظل الرضا والقبول ثم المضي في الحياة كأنما تستعيد معها بواكير الميلاد فطرة طيبة.

إعلان