إعلان

على هامش مواجهة النفس

خليل العوامي

على هامش مواجهة النفس

خليل العوامي
07:00 م الإثنين 21 فبراير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

ينقص مجتمعنا الكثير من القيم والفهم الصحيح لنخرج من مستنقع الغلظة والرفض إلى سعة التفاهم والتفكير، وأول هذه الكثير وأكثره إلحاحا هو قبول الآخر المختلف، ولا أعني بالآخر هنا المختلف في اللون أو الجنس أو المعتقد فقط، وإنما قبول هذا الآخر مهما كان وكيفما، كان سواء شخصا بأفكاره وثقافته وعاداته وتقاليده وكذلك معتقداته الدينية، أو كان فكرة حتى مع اختلافها الشديد مع أفكارنا واعتقاداتنا وتصوراتنا عن انفسنا وعن العالم والكون وحتى عن الأديان وعن "الله".. نعم من الطبيعي أن يختلف البشر في رؤيتهم لكل شيء حتى لله سبحانه وتعالى، حدث هذا في السابق ويحدث الآن وسيحدث مستقبلات ما دامت السماوات والأرض على حالها.

الاختلاف هو أحد معجزات الله في خلقه، وعلينا أن ننظر إليه بهذه الكيفية، وعلى خلق الله أن يحترموا تلك المعجزة، ويتعايشوا معها، ويبذلوا طاقاتهم للاستفادة منها، ففي الاختلاف حياة لو تعلمون.

والاختلاف في الثقافة والعلم والدين هو أحد محفزات الشك وإعمال العقل النقدي الذي بدونه لن تكتمل فكرة ولن تلتئم تجربة ناجحة ولن يتحقق حلم، كما أعتقد أن بدونه لن يكتمل اعتقاد بدين من الأديان أو يتأسس رفض له على أساس من منطق. فالشك يليه التفكير ثم طرح الأسئلة المنطقية بحثا عن إجابات قابلة للإيمان بها والاعتقاد فيها، وذات الأمر يرتبط بالإيمان بالله والاقتناع بدينه .

وعلى كل منا أن يسأل نفسه كل صباح ومساء نفس الأسئلة حتى يصل إلى إجابة ترضيه هو نفسه فقط دون غيره، وهذه الأسئلة: "لماذا أقبل هذه الفكرة ولماذا أرفضها؟ ولماذا أنا على هذا الدين وليس ذاك؟ هل أنا مقلد أسير وسط قطاعات كثيرة سارت قبلي وستواصل سيرها لاحقا لأنهم وجدوا أنفسهم في هذا المكان وبهذه المعتقدات والأفكار؟ أم أسير فيه لأنني اقتنعت به بعد تفكير وتشكك وطرح اسئلة مهمة؟"

أما ثاني الأمور المهمة التي تنقصنا فهو ترك ما لا يعنينا، والنزول إلى مقاعدنا الأساسية باعتبارنا بشرا لا يملك أحدنا سلطة على غيره، وليس قيّما عليه ولا على معتقداته ولا نظرته وتفسيره لما يجري بما في هذا رؤيته للدين وعلاقته بخالقه، وعلينا ألا ننسى أن الله تعالى ليس له وكلاء على الأرض ولم يصطفِ من بيننا مدافعين عنه وعن دينه، فآخر الأنبياء قد مات، وتعهّد الله بحفظ دينه دون وساطة أحد.

الأمر الثالث من قوائم النواقص يتعلق بالخروج من نقاشات سفسطائية بلا فائدة، استغرقتنا حتى أنوفنا، في قضايا محسومة بالفعل وهي للأسف كثيرة ولكن أبرزها مسألة حجاب المرأة.

فليس متصورا أن نظل أسرى في فلك وجوبية الحجاب من عدمها، بينما العالم يبني حياة جديدة في الفضاء، ويطورون كل يوم اكتشافات علمية حديثة في الطب والفلك والعلوم الانسانية والتكنولوجيا والكيمياء والفيزياء، بينما نمكث نحن في موقع المتلقي نأبى أن نغادره.

الموقف من الحجاب معروف منذ قرون فمن تريد الحجاب لديها فتوى بذلك ومن لا تريده لديها رأي آخر، دون التفات للفريقين المتقاتلين في الأمر، لأن أغلب الظن أنهما يخوضان معركتهما الشخصية، فالفريق الأول يتمسك كذبا بأنه صاحب لواء الدين القائم على حمايته، والفريق الثاني الذي يرفع زورا لواء التنوير والحداثة يتحدث، وكأن التنوير والحداثة لن يكتملا إلا بخلع المرأة للحجاب .. أيها الناس فلتنشطوا ذاكرتكم فالحجاب ليس هو الدين، والسفور ليس دليل حداثة او تنوير، ولتعرفوا أن المعركة ليست على حجاب الرأس وإنما على حجاب العقل.

هذه النواقص الثلاثة (الاختلاف - ترك ما لا يعنينا - الاستغراق في ما هو معلوم) حسم العالم المتقدم أمره منها مبكرا، وهو ما سمح له بالالتفات للعلم وبناء الحداثة، بينما مازلنا نحن غارقين فيها بعمق لا أمل في الفرار منه، فمنعنا هذا من بدء منظومة التقدم مثل التعليم النقدي الحديث والبحث العلمي والصحة وثقافة العمل وارتباط الرزق بالسعي وفهم أن تنظيم النسل حق للمواليد قبل أن يكون حقا للدولة.

دوامة التخلف التي دخلنا فيها بحسن نية أو سوء فهم أو استُدرجنا إليها عمدا، أخرجتنا من التاريخ الحديث، وأبقتنا نقتاد ونعتمد على أفكار وجهد وثقافة وعلوم وصناعة وإنتاج غيرنا، حتى أصبحنا عبئا على الكون، وأخشى إذا استمر الحال بهذه الصورة أن يتركنا الآخرون في مكاننا، ليذهبوا إلى عوالمهم الجديدة في الفضاء ونتحوّل إلى ما يشبه المخلوقات المنقرضة قبل ملايين السنين.

إعلان