إعلان

جيهان السادات.. حكاية وطن

أسامة شرشر

جيهان السادات.. حكاية وطن

أسامة شرشر
09:29 م السبت 17 يوليو 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا شك أن السيدة جيهان السادات- أرملة الشهيد محمد أنور السادات تمثل حكاية وطن بالمفهوم الشامل لهذه الكلمة؛ لأنها كانت تمثل القوة الناعمة الحقيقية لزوجها في مرحلة من أدق المراحل التي عاشتها مصر قبل حرب أكتوبر 1973 والتي أطلق عليها البعض عام الضباب.

فلقد تبلورت شخصية السيدة جيهان السادات، ونضجت، وتشعبت علاقاتها الإنسانية ونشاطاتها في هذه الفترة؛ حتى أُطلق عليها سيدة مصر الأولى.

ولقد كانت كذلك قولًا وفعلًا، من خلال اهتمامها بقضايا المرأة والأحوال الشخصية، وتبنيها نشاطات الجمعيات الأهلية من كل الاتجاهات، وخاصة النشاط الثقافي الذي أسهمت فيه إسهاما عمليا، فأوصلت المفكرين والمثقفين والإعلاميين لمائدة الحوار داخل منزل الرئيس.

ووصل الأمر إلى أنها غاصت في أعماق مشاكل المواطن المصري بشكل عام.. حتى إنها- وهو ما لا يعرفه الكثيرون- ترأست المجلس الشعبي المحلي لمحافظة المنوفية، واهتمت من خلاله بأدق التفاصيل لقضايا الوطن والمواطن، فكانت المنوفية نقطة انطلاق لاتفاقيات تآخٍ مع محافظات مصر.

ولعبت جيهان السادات من خلال موقعها دور النائب الشعبي من خلال المجالس المحلية التي كانت ملتصقة بقضايا وهموم المواطن والوطن، وتبنت فكرة أن تنضم المرأة للكيانات الشعبية السياسية المتعلقة بمشاكل الجماهير، وكذلك أن تصبح المرأة عضوًا في البرلمان لتدافع عن قضاياها وهمومها، في وقت كانت فيه المشاركة السياسية للمرأة ضعيفة ومحل سجال.

لقد استطاعت جيهان السادات أن تطبق الصورة الذهنية عن سيدة مصر الأولى بنجاح منقطع النظير، وكانت خير انعكاس للرئيس السادات في الخارج قبل الداخل، حتى إنني أظنها كانت تمثل له (نوبل الحياة)، خصوصًا في رعاية أسرتها في أصعب وأدق اللحظات.

وكُتِب على سيدة مصر الأولى أن تعيش تفاصيل استشهاد زوجها، ولكنها تمالكت نفسها واستطاعت أن تعبر بأزمة هذه الجريمة المروعة بكل معنى الكلمة، وتحافظ على اسم السادات رغم الشائعات والأقاويل التي روجتها وبثتها الجماعات الظلامية.

ولا يمكن لسيدة إلا جيهان السادات أن تتحمل مشهد حضور قاتلي زوجها في احتفالات 6 أكتوبر باستاد القاهرة، في ظل حكم رئيس ظلامي مثل محمد مرسي الذي رحب أثناء الاحتفال بقاتلي السادات. هذا موقف من الناحية النفسية والإنسانية صعب أن يمر مرور الكرام، خصوصًا مع تشويه صورة زوجها الشهيد، لكنني أظنها كانت تعلم أن هذا أمر لن يطول، ولقد أمد الله في عمرها حتى رأت ثورة الشعب المصري في 30 يونيو التي استعادت مصر من خاطفيها.

لقد تفرغت جيهان السادات بعد وفاة زوجها لتربية أبنائها الذين أحسنت تنشئتهم وغرست فيهم الأخلاق والقيم والانتماء والوطنية، فلم نسمع عنهم شيئًا شائنًا على الإطلاق، بل انخرطوا في الحياة كجزء لا يتجزأ من جينات هذا الشعب العظيم. رغم أن جيهان السادات منذ سنوات قليلة كان زعماء العالم ينبهرون بثقافتها وتعليمها ونشاطاتها والتي عبر عنها هيلموت شميت، المستشار الألماني الأسبق، بقوله إنها تستحق فعلًا أن تكون زوجة للرئيس محمد أنور السادات.

لهذا لم تكن هناك مفاجأة كبيرة حين قام الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أظهر قيمة الوفاء لذكرى الرئيس السادات ولرجال القوات المسلحة على كل المستويات، بتكريم السيدة جيهان السادات لتكون أول سيدة مصرية تقام لها جنازة عسكرية، وهي سابقة تاريخية.

وهو تكريم من شعب مصر ورئيسها لإحدى السيدات العظيمات في تاريخ هذا البلد العظيم.

وهو تكريم أيضًا للمرأة المصرية بعيدًا عن أي بروتوكولات زائفة، فالمشهد يتجاوز بكثير تكريم زوجة رئيس راحل، بل هو تكريم لنموذج لا يتكرر كثيرًا في زمن اللا تكريم واللا معقول.

كانت وستبقى جيهان السادات.

إعلان