إعلان

شاشة "المحمول" .. نافذة الميديا والحياة

د. هشام عطية عبد المقصود

شاشة "المحمول" .. نافذة الميديا والحياة

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 12 نوفمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تمضى المنصات الإعلامية تفرض تحولات المحتوى ونمط التفاعل وتصنع الأثر الكبير، وتضيف أيضا تحولات موازية فى مختلف جوانب صناعة الإعلام، فتنمو مع الوقت ثقافة الاشتراكات لتكون هى عصب الصناعة ومورد اقتصادياتها الأكبر والذى يخاصم الفكرة التقليدية التى عاشت زمنا مطولا بأن الإعلان وحده لا بديل له هو المصدر والأساس لحياة الإعلام، ويتعاظم بالتوازى مع ذلك دور شاشة الموبايل فى الحياة والميديا معا، وحيث تمضى تلك الشاشة الصغيرة لتبتلع محتوية كل الشاشات التى سبقتها تاريخيا وتحصد فى طريقها التصورات الراسخة مما استقر عقودا وقرونا عن دور وشكل التفاعل مع الميديا، ولتكون تلك الشاشة هى نافذة الحياة التى منها تطل كل أوجهها تدفقا، فمن غاب عنها غاب ومن حضر بها فقد صار من ضمن الموجودات.

إن تأثيرات ومجال ذلك التطور يمتد الى إزاحة دور الشاشات التقليدية، حيث أن المنصات الرقمية يتسارع حضورها كوسائط بث ونشر المحتوى السينيمائى والتليفزيونى أيضا بل تبادر هى بإنتاجه إذا قررت ذلك وقد فعلت، فتأخذ من الحضور التليفزيونى والسينيمائي المتعارف عليه وتعيد قولبته ومنحه صيغتها وطريقتها ونوافذها، كما أن وسائل التواصل الاجتماعى تبشر بحيوات إفتراضية وتقدم بدائل متنوعة وغير متوقعة عن الخيال والتمثيلات التى طالما احتكرتها الشاشات السينمائية والتليفيزيونية.

كل ذلك يظلله نمو صاعد ومستمر فى جمهور الشباب والاطفال الصغار البالغين المتسلحين بأنماط تعامل مركزية ومستقرة مع شاشة الموبايل المهيمنة، والتى تمضى تضخما ونموا لا تلتفت وحيث تستقر مع الوقت كمنصة ميديا مركزية راسخة.

ورغم أن وسائل الإعلام كالطعام لايستغنى الجمهور عنها أبدا، فإن الميديا تختلف عن الطعام فى أنه وبينما يمكن جوعا أو كسلا أن تمتد يد لنوع من طعام ليس طازجا تماما من رف بائع أو ثلاجة، فإن الجمهور ليس فى إحتياج أبدا لأن يفعل ذلك مع المحتوى الإعلامى، فأفران خبزها "الجديدة" عبر الموبايل كثيرة سريعة الإنتاج، وتقدمه طازجا مباشرا إليه ومن خلال تلك الشاشة الصغيرة للهاتف الذكى الذى لايفارق يده صحوا أو مناما، هو عصر صارت فيه الهواتف الذكية منصات الحياة ذاتها ومصدر متابعات الجمهور بما تمنحه من تهيئة وإتاحات مختلفة وما تفرضه أيضا من سمات جديدة للمحتوى، وحيث يبدو أنه قد صار باقيا من الدور الكبير للوظيفة الخبرية لوسائل الإعلام التقليدية فى عرف الكتلة الأكبر من الجمهور المعاصر ما يدخل – ملحا أو طارئا إرتباطا بأحداث كبرى أو قضايا أو أزمات- ليفرض أولوية المتابعة والإهتمام.

يتشكل تحول تاريخى مع نمو جديد لثقافة التعرض والتصفح لدى كتلة السكان الأكبر النامية عبر الزمن من الأطفال والمراهقين والشباب، ولكى ندرك ظلا من ذلك سنجده فى سلوك من نعرفهم من الصغار والمراهقين والشباب وحيث لن تجد كثيرين منهم جالسا متلقيا للمحتوى – كعادات أجيال سبقت – بل مبحلقا جل الوقت فى شاشته الصغيرة منتقيا ملولا، كما أنه صار له تقليدا متبعا فيما يفضل مشاهدته من محتوى مطول، بأن يقوم بتثبيت زمن المشاهدة والمتابعة وفق رؤيته بأن يصنع على منصا المشاهدة المدفوعة جدوله الزمنى الخاص، ثم متابعته وقتما يريد – ووفق ظروفه- وهكذا اختفى مع الوقت نمط المشاهدة الذى تندرج فيه كتل كبيرة من هذا القطاع العمرى، ليتم إستبداله بسلوك يبدو فرديا دعمته البروفايلات الشخصية على وسائل التواصل الإجتماعى، ولتختفى المواقيت وجداول البرامج الكلاسيكية "الجاهزة" من عرف وثقافة متابعة هذه الأجيال، لتحل بديلا عنها المشاهدة المنتقاة ذات الصلة المباشرة بالهواتف الذكية كمنصة إعلام هذا العصر، وعبر هيمنتها كوسائل تعرض وتصفح تصنع تحولات غير متوقعة فى مجال التفاعل مع محتوى وسائل الإعلام، وحيث هناك دوما هذا المتصفح "الجديد" الملول غير القابل للدهشة إلا قليلا، صاحب الهاتف الذكى المتعجل الذى يتحدث ويأكل ويتحرك وينام وهو يتابع ضوء شاشته الأثيرة التى لا تفارقه.

إعلان