إعلان

 عمى.. الدبب!

نهاد صبيح

عمى.. الدبب!

نهاد صبيح
07:00 م السبت 08 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا تمتلئ الحياة بالغرائب والمتناقضات والعجائب فحسب، بل تمتلئ بالشكل الذي يتخطى كثيراً أي خيال بشري أو تصور إنساني.

إننا مثلا نجد حشرة صغيرة الحجم، لكنها تمثل معجزة وآية من آيات الله- سبحانه وتعالى- آية في كل شيء في طريقة معيشتها وتكيفها مع البيئة المحيطة بها لدرجة أن هذا النوع منها قد يعيش آلاف أو ملايين السنين، في الوقت الذي ينقرض فيه حيوان ضخم عظيم الحجم دون سبب علمي واضح غير إرادة الله الواحد القهار.

لذا، فالحجم لا يعد مشكلة رئيسية، وليس دليلا على استمرار الحياة والبقاء، فالدب القطبي مثلا والذي قد يبلغ وزنه من 400 إلى 680 كيلوجراما مهدد بالانقراض.

هذا المخلوق العجيب الذي يعد هو أيضا آية من آيات الخالق قد ميزه الله- سبحانه وتعالى- بنعم خلق كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ فعلى سبيل المثل وليس الحصر، شعره له فكرة مثيرة مفادها أن كل خصلة قد تقوم بدور يشبه أسلاك الألياف الضوئية، فتحمل دفء الأشعة فوق البنفسجية مباشرة إلى الجلد الملون للدب، وهذا يعد من رحمة الله به، ومنطقي جدا أن يكون لشعره هذه الصفة وإلا فكيف لهذا الجسم أن يحصل على الدفء في هذه البيئة شديدة البرودة؟!

هذا فيما يخص الدب القطبي تحديدا، ولكن باقي الأنواع لها سمة أخرى مميزة، فعلى الرغم من أن الدب من الحيوانات التي لها القدرة على تعلم وأداء بعض الحركات والألعاب التي يمكن استغلالها في عروض السيرك، فهو ضعيف البصر، فصغير الدب يولد أعمى، وهذا ما يفسر المقولة الشهيرة التي يستخدمها البعض كسباب (أعمى عمى الدبب).

فلماذا تحديدا يعد استخدام الدب كحيوان ضعيف البصر مثالاً على العمى، على الرغم من أن هناك حيوانات كثيرة لا ترى، بل إنها ليس لها عيون "كفأر الخلد" وغيره؟

إن حالة النظر في الحياة تتخطى كثيراً وجود العينين المبصرتين، فهناك بصيرة عند بعض البشر تتخطى مفهوم المجال المحدود لرؤية العيون، هذه البصيرة قد تتعمق مع المؤمن فتنير قلبه نور الهداية للطريق أو الطريقة التي تعينه على مصاعب الحياة، بصيرة تجعله متيقنا من أن كل تدبير الله في هذا الكون الواسع خير.

وهناك بعض آخر من البشر أعمته بصيرته الفاسدة (والعياذ بالله) حتى عما يراه بأم عينه فتجده ينكر كل جميل، جديدا كان أو أصيلا، ويعتبر أي تطوير أو تنمية كارثة، لا يرى في الورد غير أشواكه ولا في الحياة غير معاناتها ومصائبها، يتحدث عن النقم باستفاضة وحين تذكر له أحد النعم يبتسم لك ابتسامة بلهاء، وكأن لسان حاله يقول (وإيه يعنى)، الحمد بالنسبة له مجرد كلمات تخرج من الأفواه وهو لا يعلم أن الحمد الحقيقي الذي يديم النعم ما هو إلا سلوك وممارسة نابعة من يقين وإيمان بالله.

هذه النوعية من البشر بهذا السلوك هم من يستحقون بجدارة أن يطلق عليهم عميانًا.. ولن يكون هناك إجحاف حين يوصف الواحد منهم بأنه أعمى..! عمى الدبب.

إعلان