إعلان

كيف حاصرت مصر تركيا شرقي المتوسط؟

محمد حسن الألفي

كيف حاصرت مصر تركيا شرقي المتوسط؟

07:00 م الثلاثاء 11 أغسطس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يمكن اعتبار التوتر المتصاعد حاليًا، شرقي البحر المتوسط، بين اليونان وتركيا بعيدًا عن احتمالات المناوشة مع مصر الطرف الثالث، الفاعل والأصيل، في معادلة القوة والثروة في منطقة الكنز الجديدة هذه.

اليوم، الثلاثاء، بلغ التوتر درجة جديدة، بإطلاق النار من جانب القوات البحرية اليونانية على ما وصفته المصادر التركية بقارب صيد، في بحر إيجه، وإصابة مواطنين تركيين ومواطن سوري.

يعتبر هذا الحادث أثرًا جانبيًا عاجلاً، للتصريحات والتحركات البحرية التركية، وبخاصة بعد أن أعلن الرئيس التركي أنه سيواصل البحث والتنقيب بتراخيص جديدة شرقي المتوسط. القوات البحرية والجوية اليونانية متأهبة، وطلبت كل من قبرص واليونان تضامنًا كاملاً من الاتحاد الأوروبي مع الحقوق السيادية للدولتين. وبالفعل أعلن الاتحاد الأوروبي تضامنه وسبق أن حذر أنقرة بعقوبات... لم ينفذها.

التحرش التركي المستمر اختبار للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي كقوة سياسية اقتصادية عسكرية أوروبية خالصة، متضامنة، وحلف الناتو كقوة غربية عسكرية بحتة، تتضمن الولايات المتحدة الأمريكية. اليونان وتركيا عضوان مؤثران في الناتو.

من تعلو كلمته، الاتحاد أم الناتو والأخير معظم أعضائه من الاتحاد ذاته؟

سبق أن حذر ترامب تركيا من ألاعيب التنقيب السيزمي في حوض الغاز اليوناني القبرصي المصري، وكانت تركيا تحججت بأن سفينة التنقيب مجرد سفينة أبحاث ترصد الأنشطة الزلزالية هنالك !

في ثنايا المشهد الأوروبي التركي وتعقيداته، تظهر الفعالية السياسية المصرية، فقد توجت مصر ذكاءها الدبلوماسي الأسبوع الماضي بفرض حصار من الشرعية الدولية حول تركيا شرقي المتوسط. كيف؟ بتوقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية في المنطقة الاقتصادية بين البلدين العريقين، أصبحت اتفاقية السراج وأردوغان بلا مضمون، واكتسبت الاتفاقية المصرية اليونانية على الفور حماية قانونية دولية، باركها الاتحاد الأوروبي، وأعلن ترامب دعمه وتأييده لها.

هذا يعني أن مصر حاصرت وتحاصر أطماع العثمانية المستجدة شرقي المتوسط، حيث يتسيد الغاز فيها القرن الواحد والعشرين، ومصر في القلب منه بحمد الله. في السياق ذاته، تكتمل دائرة الحصار، باكتمال دائرة المصالح بين روما وأثينا، بعد توقيع اتفاقية لتعيين الحدود البحرية في نقاط التداخل اليونانية والإيطالية. والمعروف أن شركة إيني العملاقة تباشر أعمال البحث وتعميق الموارد تحت حماية الأسطول الإيطالي في تلك المنطقة.

من يحارب أردوغان إذن؟ وهل كثرة التحركات التركية في المكان ذاته، ستقود إلى مواجهة فعلية؟ الحقيقة أنه يواجه في الوقت ذاته فرنسا، ولولا التدخلات والوساطة الألمانية المتواصلة لانفجر الغضب الفرنسي... والاحتمالات مفتوحة..

لن يؤدى توقيع الاتفاق المصري اليوناني في مياه الدولتين الاقتصادية شرقي المتوسط إلى استثمارات وكشوفات وثروات كبيرة محتملة بقوة فحسب، بل أدى في واقع الأمر إلى تصدير الأزمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي. بمعنى آخر، فإن الصراع والمناوشات لن تعود بين تركيا ومصر وحدها، بل سيكون، بعد الترسيم المصري اليوناني البحري، مواجهة مستمرة، وردعا قائما بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.

التخطيط والبصيرة مع القوة يحقق التوازن ويردع الطامعين في ثروات الوطن.

إعلان