إعلان

نحو صياغة جديدة لمفهوم "عدم التدخل"!  (3)

عصام شيحة

نحو صياغة جديدة لمفهوم "عدم التدخل"! (3)

عصام شيحة
07:00 م الثلاثاء 07 يوليو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي أن يعرض الأعضاء مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يُخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع".

هذه هي الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة. ويتضح منها أن المنظمة الأم لم تمنح لنفسها ولا لأعضائها حق التدخل في الشؤون الداخلية للدول، غير أن الأمر يرتبط قطعاً بعدم المساس بالسلم والأمن الدوليين، كحد فاصل يستلزم تجاوزه اتخاذ المنظمة، عبر أجهزتها المختلفة، ما يصحح الأوضاع، ويرد العدوان على جوهر القانون الدولي.

ومن هنا كان لجوء مصر إلى مجلس الأمن (أهم أجهزة الأمم المتحدة) للتدخل في أزمة ملف سد النهضة الإثيوبي، باعتباره يُعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.

وفي الشأن الليبي، لا يمكن القول بأن الساحة كانت مُهيأة لتسوية سلمية حقيقية؛ إذ ترك العقيد القذافي بلداً يفتقر إلى المؤسسات التي يمكن أن تضطلع بمهامها لإقرار القانون، وتسوية النزاعات على السلطة في سياق منضبط، تعلو فيه المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.

وعليه، فقد كانت الساحة الليبية مُرشحة دوماً لمزيد من الاشتعال، ووجود المرتزقة المسلحة فيها يُنذر بما هي فيه الآن من تدهور غير مسبوق على الأرض الليبية الملاصقة لمصر، والتي لا يمكن تحت أي ظرف إخراجها من منظومة الأمن القومي المصري.

ولعل من هنا كانت حساسية العلاقات المصرية- الليبية في عهد القذافي، والتي تركت حساسيات لا ينبغي إغفال دورها في تأخر دور مصر في الأزمة الليبية مؤخراً. وهو شأن للأسف الشديد موجود بين كثير من الأقطار العربية المتجاورة، بحكم ما أفرزه الاستعمار من ملفات شائكة تتمحور حول ترسيم الحدود.

وللأسف لم تنجح الجامعة العربية في إيجاد حلول جذرية لكثير من هذه الملفات، فبات النسيان يطويها، والتغافل يلفها، إلى أن يوقظها أمر ما.

وكما ذكرت في مقالي السابق أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أمر شائع في العلاقات الدولية المعاصرة، ويتغلف بالنوايا الطيبة، والمساهمة في حل نزاعات داخلية، لكن هذا الهراء سرعان ما يتساقط أمام لمعان المصالح الخاصة بالدولة التي تدخلت، ليثبت للعالم أنها ما تدخلت إلا حفاظاً على مصالحها فحسب.

ولنا في حديث وزير الدفاع التركي مؤخراً في ليبيا السند الواضح؛ إذ طيرت وكالات الأنباء: (في تحدٍ للمجتمع الدولي والسيادة الليبية تفقد وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، جنود بلاده في ليبيا، مطلقا تصريحات مستفزة تحدث فيها عن السيادة التركية، والعودة بعد انسحاب الأجداد، والبقاء إلى الأبد).

وأضاف الوزير التركي: "أجدادنا انسحبوا من المنطقة، لكننا سنقوم بكل ما يجب علينا أن نقوم به من أجل العدالة والحق، وفي إطار القانون الدولي، وسنبقى هنا إلى الأبد مع إخواننا الليبيين"! في إشارة إلى حكومة فايز السراج التي دعمت أنقرة ميليشياتها. وأضاف: "لا يشك أحد في موقفنا هذا أو يعتقد بأننا سنتراجع عنه"!

والحال أن العلاقات الدولية المعاصرة لا تعرف الفراغ أبداً، فما إن تبدأ قوة في التخلي عن موقعها أو مناطق نفوذها، حتى تحل محلها قوة أخرى، تملأ الفراغ، وتبسط نفوذها. ولو أضفنا إلى ذلك الاستراتيجية الانسحابية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تدرك لماذا تمددت تركيا مؤخراً في سوريا والعراق والبحر المتوسط وصولاً إلى ليبيا، فهي عضو الناتو، والبديل المؤتمن من جانب واشنطن لإيقاف المد الروسي.

وللحديث بقية بإذن الله.

***

للتواصل مع الكاتب

Eshiha@yahoo.com

إعلان