إعلان

ساعات وأيام العمل (٨)

د. غادة موسى

ساعات وأيام العمل (٨)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 06 يونيو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يُعد مؤشر الثقة عاملاً مهمًا في رصد التغير الذي سيطول ساعات وأيام العمل. ولكن الثقة في ماذا؟ هل هي الثقة في إمكانية أداء ذات الأعمال بذات الجودة من خلال ميكنتها أو إحلال الآلة محل الإنسان في أدائها؟ أم الثقة في منظومة العمل التي ستواكب التطورات المتلاحقة في التقنية وفي زيادة الطلب على الخدمات؟

عند الحديث عن مؤشر الثقة لا يجب حصره في الظروف الطبيعية فقط، وإنما أيضًا في ظروف وجود منظومة مخاطر في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية.

بعبارة أخرى، لا بد من مناقشة منظومة عمل مدفوعة بمؤشر الثقة في وقت الأزمات. والتساؤل حول ما إذا كانت المخاطر وما يترتب عليها من أزمات ترسخ منظومات وترتيبات عمل وتحولها من مجرد استثناء لنظام ثابت؟

ويتناول عنصر الثقة في الميكنة علاقة العامل (أي فرد يندرج في منظومة عمل) بالتطور التقني، فيتضح أن أمام كل 10 آلاف عامل يوجد عدد من الآلات التي يمكن أن تحل محله. فعلى سبيل المثال يوجد أمام كل ١٠ آلاف عامل في كوريا الجنوبية حوالي ٣٥٠ آلة، وهي أعلى نسبة في العالم، تليها اليابان بـ٣٣٠ آلة لكل١٠ آلاف عامل، ثم ألمانيا بـ٣٠٠ آلة لكل ١٠ آلاف عامل، ثم إيطاليا والسويد بـ٢٣٠ آلة لكل١٠ آلاف عامل، في حين تبلغ النسبة ١٢٠ آلة لكل١٠ آلاف عامل في الولايات المتحدة الأمريكية، المصدر: (Robotics and Automation News).

وهي ما زالت في مجملها معدلات منخفضة وقد تتركز في بعض الصناعات وبعض الخدمات دون غيرها.

ولكن إذا نظرنا إلى ظروف الأزمات، وخاصة الأزمات البيئية متسعة النطاق كالأوبئة -فيروس "كورونا" على سبيل المثال، أو التسرب النفطي كما حدث منذ يومين في القطب الشمالي وصعوبة السيطرة عليه-، نلاحظ أن قدرة الإنسان على التنافس مع قدرات الآلات من حيث استدامة العمل ومقاومة انتشار الفيروس والمخاطر تنخفض بشكل كبير، وهو ما حدث بالفعل، إذ تمت الاستعانة بالآلات في عدد كبير من المستشفيات في: "الصين، كوريا الجنوبية، واليابان"، تحديداً للقيام بأدوار التمريض وتوصيل الخدمات من جهة، وحصر أعداد المصابين وتتبع المخالطين، وإرسال إشارات تنبيه وتعليمات للجمهور.

وبالعودة للظروف العادية الطبيعية، حيث تعتبر الأزمات ظرفًا استثنائيًا، ينبغي النظر إلى السياسات الاجتماعية وأبعادها الاقتصادية، وفي هذا الصدد نلاحظ فجوات بين الجزء المتقدم من النظام الرأسمالي العالمي والجزء المتخلف منه، فالجزء المتقدم يعاني بشكل عام من انخفاض معدلات المواليد وزيادة أصحاب الأعمار الكبيرة، الأمر الذي حدا بالعديد من الدول إلى اتخاذ سياسات لمد سن التقاعد؛ ليصل إلى أكثر من ٧٠ عامًا -كما حدث في كوريا الجنوبية- فوفقاً "لمعدلات الاعتماد" ستصل نسبة من هم في عمر ٦٥ عامًا لكل ١٠٠ فرد في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام ٢٠٥٠ إلى حوالي ٦٠٪، وفي اليابان ستصل النسبة في عام ٢٠٥٠ إلى ٨٠٪، وهي أعلى نسبة متوقعة في العالم، كما ستصل في ألمانيا في نفس السنة إلى ٦٥٪، المصدر: (People over 65 for every 100 people of working age :OECD).

وهي النسب التي ستجعل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تزيد من نفقات الرعاية الصحية للعاملين الذين سيعملون بعد مد سن المعاش -علمًا بأنه لم يتم بعد قياس قدرات هؤلاء على العمل لمدة سبع أو ثماني ساعات يوميًا- أو ستكون السياسات البديلة هي زيادة الإنفاق على الميكنة والروبوتات؛ للقيام ببعض المهام، أو تعديل سياسات الهجرة بما يسمح باستقبال أعداد أكبر من المهاجرين من الشباب من دول العالم الثالث -الأجزاء المتخلفة من النظام الرأسمالي العالمي-، مع زيادة الإنفاق على عمليات التعليم والدمج في المجتمعات المستقبِلة لهم، وهو ما يستغرق -بدوره- وقتًا لدمج القادمين الجدد في سوق العمل، وتدريبهم على منظومات العمل المتبعة في الدول المتقدمة.

أما في دول العالم الثالث فالوضع معكوس، إذ يعجز سوق العمل عن توليد أعمال تستوعب الزيادة المضطردة في الداخلين لسوق العمل من الشباب وصغار السن، فمعدلات الاعتماد للأطفال في المرحلة العمرية من ١٥-١٨ سنة لكل 100 فرد ستصل عام ٢٠٥٠ إلى ٦٥٪، فلا تصبح -في مثل هذه الأحوال الاجتماعية- الاقتصادية مسألة الميكنة محلاً للنقاش بقدر ما هي المعارف والمهارات اللازمة لوضع سياسات ولإدارة فكر ومنظومة الميكنة.

لذلك نبه المكتب الإحصائي الفيدرالي للعمل في الولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٨ إلى أن العنصر الديموغرافي يفوق في أهميته عنصر الميكنة في التأثير على ساعات وأيام العمل بنسبة ٥٣٪، كما سيكون التحدي هو تعديل سياسات حرية الأعمال والابتكار بما يسمح بوجود مهام جديدة وأعمال أكثر مولدة للدخل ولو في أدنى مستوياته.

في الجزء التاسع ستتم مناقشة التكاليف الاقتصادية للتغيرات في ساعات وأيام العمل.

إعلان