نحو صياغة جديدة لمفهوم "عدم التدخل!" (2)

09:53 م الثلاثاء 30 يونيو 2020

عصام شيحة

لا شك أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى من أهم مبادئ القانون الدولي التي شاع تضمينها في مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية، وعلى رأسها المنظمة الأم، الأمم المتحدة؛ إذ أكدت الفقرة السابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة على ذلك صراحة، كما نص عليه ميثاق جامعة الدول العربية - على سبيل المثال لا الحصر.

إعلان

إلا أن ذلك لم يمنع تكرار تدخل بعض القوى في الشؤون الداخلية لبعض الدول، سعياً وراء مصالحها، وبأشكال متعددة، سياسية أو عسكرية. وكلها ممارسات درجت عليها العلاقات الدولية المعاصرة، واتخذت في ذلك ستائر شتى؛ لعل من بينها ما تم من اتفاق بين تركيا وحكومة فايز السراج الليبية، التي لا تمثل بالفعل جميع التيارات الليبية، الأمر الذي ينزع عنها غطاء الشرعية.

ويُعد النموذج الليبي مثالاً واضحاً يؤكد أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى يجد مساراته في وجود نزاعات داخلية على السلطة؛ ومن ثم تتسع الأرض لمعارك بالوكالة، تُدار فعلياً من الخارج. ولا يخرج عن ذلك النموذج اليمني أيضاً، حيث النفوذ الإيراني مسيطر على الميليشيات الحوثية، ويمدها بالسلاح والمال؛ ما جعل الساحة اليمنية مُرشحة لحرب طويلة، يصعب الانتصار الحاسم فيها لطرف على آخر.

لكن الحالة الليبية تُمثل لمصر نموذجاً بالغ الوضوح في استهدافه الأمن القومي المصري تحديداً من جانب تركيا التي أعلنت عداءها للإرادة الشعبية الحرة التي اختارت الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتحركت خلفه تنتزع الجماعة الإرهابية من سُدة الحكم؛ فكانت انتكاسة حقيقية لأطماع أردوغان في استعادة الخلافة العثمانية؛ فراح صراحة يُعلن عن بحثه في ليبيا عن ميراث الخلافة العثمانية، ليطوق مصر من الغرب، في الوقت الذي يدعم فيه التعنت الإثيوبي القادم من الجنوب حيث مصب النيل.

وعليه؛ فإن التدخل المصري في ليبيا، كما قال الرئيس السيسي مؤخراً، بات مشروعاً؛ إذ ينطلق من مبدأ الدفاع عن النفس تجاه ممارسات أردوغان التي تجد براحها في انشغال العالم بجائحة كورونا، وانهماك ترامب في السباق الرئاسي المُقبل.

وواقع الأمر، وبدعم بريطاني؛ فإن ترامب هو من أفسح المجال أمام أطماع أردوغان في ليبيا، مثلما تركه يصول ويجول في سوريا، وفي الحالتين الهدف عرقلة التمدد الروسي. وهو أمر انتبه إلى خطورته العالم بعد تصريحات الرئيس السيسي عن شرعية التدخل المصري، فراحت إيطاليا التي كانت مؤيدة لفائز السراج تُحذر من أن الحرب ليست الوسيلة الممكنة لتسوية الأوضاع في ليبيا. كما راحت ألمانيا وفرنسا تحذران تركيا من انتهاك مخرجات مؤتمر برلين الخاص بالأزمة الليبية، حيث دعم المؤتمر حظر توريد السلاح المفروض من الأمم المتحدة.

ورغم أن مصر غير معتادة على دق طبول الحرب؛ فإن الأمن القومي لمصر لم يعد بإمكانه الانتظار إلى أن تنقلب الأوضاع في ليبيا لصالح أردوغان تماماً، وما كان له أن ينتظر حتى تمتلئ الأرض الليبية بآلاف الإرهابيين الذين نقلهم أردوغان من سوريا. وهو الذي كان قد نقلهم قبل ذلك من ليبيا إلى سوريا.

وللحديث بقية بإذن الله.

إعلان