إعلان

سلاحك هو شرفك.. حوار على حتة حديدة !

محمد حسن الألفي

سلاحك هو شرفك.. حوار على حتة حديدة !

محمد حسن الألفي
07:00 م الثلاثاء 05 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يصعب، بالطبع، تقييم أي من الأعمال الدرامية الغزيرة الوفيرة على شاشات رمضان حاليا؛ لأن العروض لم تنتهِ والأحداث لا تزال في ثلثها الأول، لكن يجوز للناقد والكاتب المعنى والمتخصص أن يهتز ولعا أو هلعا، أمام مشاهد بعينها، في سياق عمل ملهم بالجودة والإبهار.

الكلمة الحلوة في الحوار لا تخاطب العقل فقط، بل تهز الوجدان، وتنقل المشاهد من مجرد مستقبل إلى شريك كامل في المشهد .

هذا ما اهتز له وجداني في مشهد فريد من مسلسل "منسي". معظم الناس لا يستسيغون عنوان الاختيار رغم التفسيرات. كلنا تقريبا نقول: هيا بنا نشاهد المنسي.

صار المنسي مذكورًا على كل لسان.. قدوة لكل مصري. هذه الشخصية الوطنية العالية التربية، الموهوبة المعجونة بحب الناس، والجندية، صارت تجد من يترحم عليها آلاف المرات كل ليلة.. مع نهاية المقدمة التي يظهر فيها أسطورة الفداء المصرية بابتسامته الجميلة العقيد أركان حرب أحمد صابر منسى، ابن الشرقية البطل.

مشهد من حلقة أمس رقم ١١، تفرد بمناقشة عميقة مثيرة للتأمل حول قيمة الشرف ومعناه وجدواه بين ضابط وطني شريف هو أحمد منسي وضابط خائن مرتد عن العقيدة الوطنية هو الخائن القميء المقيت هشام عشماوي .

لن أسمي الحوار جدلية الشرف؛ لأنه ليس جدلية إلا لدى المزعزع العقيدة سقيم الوجدان كما وصفه بحق بطل شاب من مصر أيضا هو بالطبع مصطفى كامل، رائد الرومانسية الوطنية في الكفاح ضد الاحتلال البريطاني لمصر.

كان منسي يلمع سلاحه وينظف ماسورة بندقيته.. وكنا أيضا نفعل ذلك وقت الجندية على الجبهة بالصالحية والإسماعيلية (خدمت بلدي من ٢٢ أكتوبر ١٩٧٣ حتى نوفمبر ١٩٧٦).

استغرب عشماوي اهتمام منسي الشديد بتنظيف السلاح، فقال له منسى ليعرف كل من يراه أنه سلاح أحمد منسي.

فرد عليه عشماوي:

- أهو كله سلاح.. حتة حديدة تقتل بها، ويمكن تتقتل وياخدها غيرك.. ويقتل ومش حتفرق.

يبتسم منسى في إشفاق ويقول له معلما :

- سلاحك لما يبقى حته منك حيفهمك ويحس بيك، ويعطيك الفرصة تقاتل.

ويجادل الخائن :

- حتة حديدة حتحس؟

بإيمان وثبات يرد منسي :

- كل مخلوقات ربنا تحس، وبعدين الواحد يموت وسلاحه جزء منه. سلاح الفدائي لازم يبقى حته منه.

يجادل الخائن :

- إيه يخليني أموت علشان حتة حديدة؟

بحسم وحيرة وربما قرف من تلك العقلية الفاسدة يرد أحمد منسي البطل :

- علشان تبقى مت بشرف! وتقف قدام ربنا وهو راضي عنك. سلاح المقاتل يعني شرفه ودراعه وصاحبه مش حتة حديدة.. وسلاحك يوم ما يتاخد منك يتاخد منك بشرف.

عن إذنك !

هذه العقيدة الراسخة هي عقيدة القوات المسلحة المصرية، وما يمثله مخ هشام عشماوي هو الجاهلية في أبشع وأخطر تجسيد لها.. لأنه جعل سلاح الوطن مصوبا إلى قلب الوطن... وكنا ائتمناه ضابطا مدربا... فانقلب حاله وتمرد وخان .

في الحلقات مشاهد كثيرة زاخرة بعمق التحليل والمعلومات.. والمسلسل كما نرصد للآن لا يستهدف مجرد تقديم صورة احتفالية لتكريم بطل مصري أسطوري.. وإن كان ذلك يتحقق كل ليلة، بل هدفه الأساسى بيان شدة التعصب الأعمى والكراهية المتجذرة لدى من يحركون هذه الدمى الغبية، من فريج بياع العسل إلى عشماوي إلى عزازي، بالمال والتلقين.. لنشر الرعب والخراب.. طمعا في سراب وتخريفة اسمها الخلافة!

ما أحوجنا إلى ثقافة وإعلام من هذا الطراز الفريد!

حلقة واحدة من المتعة الدرامية والوطنية بألف أسبوع من الزعيق والتوبيخ والتجعير وتلعيب الحواجب كنساء العوالم.

إعلان