إعلان

 قائمة الدروس التي لن تنتهي..!

سليمان جودة

قائمة الدروس التي لن تنتهي..!

سليمان جودة
07:00 م الأحد 05 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

رغم الوطأة الثقيلة التي يمثلها وباء كورونا على صدر كل إنسان، فإن هذا لا يمنع أننا سوف نكتشف له فوائد يوماً بعد يوم، وسوف يتحقق بعض هذه الفوائد في التو واللحظة، وسوف يبقى البعض الآخر مؤجلاً إلى أن يأتي أوانه ويحين موعده!

والمؤكد أن أولى الفوائد على امتداد العالم، وليس هنا في القاهرة فقط، أن الحكومات ستدرك من مواقعها في مقاعد الحكم أن الإنفاق على بند الصحة في موازناتها العامة ليس ترَفًا يمكن تأجيله إلى حين، وأن صحة الإنسان من حيث حجم الإنفاق العام عليها لا بديل عن أن تكون لها الأولوية الأولى دون منافس..! هذه فائدة من بين فوائد، ولكنها الأهم دون منازع!

هي الأهم؛ فلا شيء يجوز أن يتقدم على الإنسان، وبالذات ما يخص صحته وما يخص تعليمه، وإلا فماذا يعني هذا العالم كله، إذا خلا من إنسان قادر على أن يحصل على خدمة تعليمية جيدة، ومعها رعاية صحية مناسبة تليق بآدميته كإنسان؟!

هذا درس لن ينساه العالم، ولن تنساه عواصمه التي لن يغيب عن عينيها، فيما بعد، أن ڤيروس كورونا الذي هاجمها دون مقدمات قد كشف تقصيراً في الإنفاق على صحة الإنسان، لم يكن يخطر ببال أحد، وأن الڤيروس قد جاء يدق الأبواب بقوة وقسوة لعل العالم يفيق وينتبه!

ولكن قائمة الدروس المستفادة لا تخلو من دروس أخرى، من بينها أن قضية البيئة التي طال إهمالها من جانب دول العالم الكبرى بالذات قد آن لها أن تأخذ مكانها من حيث الحفاوة الواجبة بها، لأنها وثيقة الصلة بصحة الإنسان، ولأنها لم تكن يوماً من القضايا التي تحتمل التأجيل، أو تحتمل أن تتطلع إليها الدول الصناعية الكبرى بوصفها قضية على الهامش !
كلنا يذكر بالتأكيد أن اتفاقية للمناخ جرى التوقيع عليها عالمياً في العاصمة الفرنسية باريس عام ٢٠١٥، وأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من بين الدول التي وقعت عليها، وأن ذلك كان في العام الأخير من ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما!

كان الهدف هو خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في سماء العالم، وكان علماء المناخ وخبراؤه يطلقون التحذير بعد الآخر من عواقب استمرار الانبعاثات على حالها.. فتقدير هؤلاء العلماء والخبراء أن هذه الانبعاثات تزداد عاماً بعد عام، وأنها السبب الأول وراء تغيرات المناخ التي يشهدها العالم، ويعاني منها منذ فترة، وأن الصناعات الضخمة في العواصم الكبرى هي مصدر هذه الانبعاثات!

وكان الدليل على ذلك أن الانبعاثات انخفضت بنسبة ١,٤%‏ في عام ٢٠٠٨، وهو العام الذي شهد الأزمة المالية العالمية، وتأثرت به صناعات كثيرة وكبيرة حول العالم!
وفي أول هذا الأسبوع صدر تقرير مشروع الكربون العالمي، الذي يقيس حجم الانبعاثات السنوية من ثاني أكسيد الكربون، ومما جاء فيه أن الانخفاض المتوقع هذه السنة قد يصل إلى خمسة في المائة، وأن ذلك إذا حدث.. وسيحدث في الغالب.. فإنه سيكون الانخفاض الأعلى من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية!

وليست هذه دعوة إلى توقف المصانع في أنحاء الأرض، ولا هي دعوة إلى وقف العمل والإنتاج، ولكنها دعوة إلى شيء من الانضباط بيئياً في التصنيع، وفي العمل، وفي الإنتاج، لأنه لا شيء يبرر تدمير البيئة من حولنا تحت لافتة التصنيع والعمل والإنتاج!

وكلنا يذكر بالتأكيد، أيضاً، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بادر بعد دخوله البيت الأبيض بالانسحاب من الاتفاقية متحللاً، بالتالي، من كل التزام تفرضه على بلاده، ومتناسياً في ذات الوقت أن الاتفاقية كانت من أجل صحة الإنسان في كل مكان، بمن في ذلك صحة الإنسان الأمريكي بالضرورة، ومتناسياً كذلك أن المسئولية على بلاده في هذا الشأن مضروبة في اثنين: مرة لأنها الدولة الأقوى في العالم، وهذا يضع عليها مسئولية أكبر، ومرة لأنها الدولة التي تضم صناعات كبرى تضخ الجزء الأكبر من ثاني أكسيد الكربون!
كان ترامب يمارس عمله منذ دخوله البيت الأبيض، ولسان حاله يقول أمريكا أولاً وعاشراً، ولكنه ربما يخرج من أجواء الڤيروس ومعه ساسة من نوعيته في أنحاء من العالم بقناعة مستقرة تقول إن الإنسان يجب أن يحظى بأولوية، وأنه لا بد أن يكون طرفاً أساسياً في هذه المعادلة المتعلقة بالبيئة وفي كل معادلة!
دروس كورونا لن تنتهي، ولكن المهم أن تصادف ساسة يستوعبونها ويأخذونها على محمل الجد والمسئولية.

إعلان