إعلان

ساعات العمل وأيام العمل "٤"

د. غادة موسى

ساعات العمل وأيام العمل "٤"

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

07:00 م السبت 04 أبريل 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عتبر التحدي الأساسي، فيما يتعلق بحساب ساعات العمل وأيامه هو المتعلق بالأعمال التي تحتوي على مكون ابتكاري.

وقي الواقع، فإن طرح هذا التحدي لا يرتبط بالغاية من العمل؛ فالإنسان، أي إنسان، يعمل بدافع ما. ولا يمكن القول إن الابتكار والعاملين في مجال الابتكارات لديهم دوافع تختلف عن العامل في المصنع أو في المزرعة؛ حيث يسعون إلى البقاء والعيش عاملين في مصنع أو منشأة أو مبتكرين، ويسعون- أيضاً- لتجديد إنتاجهم الاجتماعي، والمقصود به خلق أجيال جديدة من العاملين في المصنع وفي المزرعة وفي العمل أو المجالات الابتكارية.

وهذا الطرح يخالف الطرح الذي يقدمه بعض الباحثين الذين يرون أن الاتجاه الآن هو استبدال أعمال ذات طبيعة مرنة تعكس تفكيرا جديدا حول دوافع العمل وليس التشغيل، بالعديد من الأعمال التقليدية ذات ساعات العمل المحددة (وقت محدد للبدء والانتهاء من العمل).

---

ولو سرنا مع هذا الطرح في سبيل معرفة كيفية إدارة ساعات العمل، وفقا للعمل من أجل الدافع الابتكاري، فسنجد الأمر يتعدى مجرد حساب ساعات العمل بالطريقة المتعارف عليها: سبع ساعات عمل أو أقل... إلى ما يعرف بـ"ساعات العمل المستندة إلى الثقة".

هذه الطريقة بدورها لها مثالبها؛ حيث قد تتسبب في إرهاق العامل- أياً كان عمله- لأنه قد يكون متاحا على مدار ساعات اليوم من جهة، ومن جهة أخرى ستحدث مشكلة في كيفية حساب الوقت الإضافي overtime.

لذلك اهتم أصحاب نظرية "ساعات العمل المستندة إلى الثقة" بتجنب العمل الإضافي والفصل بين الحياة الشخصية والعمل، وأيضاً الحفاظ على صحة العامل.

جدير بالذكر أنه بدأ تطبيق نظام ساعات العمل المستندة إلى الثقة وأيضاً إلى ساعات العمل المرنة منذ التسعينيات من القرن العشرين، وكان ذلك على نطاق ضيق، واتسع تدريجيا إلى أن أصبح يمثل- على سبيل المثال وليس الحصر- ٣٦٪ من وقت العمل في ألمانيا عام ٢٠١٠.

وفي هذا الصدد، لا بد من التمييز بين مفهوم ساعات العمل المرنة وساعات العمل أو وقت العمل المبني على الثقة.

فالأول يحدده صاحب العمل بالمشاركة مع العامل مقابل الاتفاق على تحقيق أهداف أو مخرجات بعينها لكل عامل، في حين أن النوع الثاني يحدده، ويضعه العامل في المقام الأول؛ لأنه يرتبط بشكل أكبر بطبيعة منشآت تعمل في مجالات لا تتطلب التواجد المادي للعامل، أو يكون صاحب العمل هو رب العمل والعامل في ذات الوقت.

وقد تم تطبيق هذه الترتيبات الجديدة في العمل بشكل تدريجي في قطاعات البنوك (بنك إنجلترا) وفي بعض المصانع في هولندا.

وتختلف دوافع كل منشأة من حيث تطبيقها لساعات العمل المرنة أو وقت العمل المستند إلى الثقة.

ولكن في جميع الأحوال اتفقت المنشآت على أن هذين النظامين يحفزان العامل على العمل والإنتاجية، وبناء الولاء والانتماء للمنشأة، خاصة مع زيادة الأبحاث التي قام بها بعض الاقتصاديين حول العلاقة الطردية السلبية بين زيادة الدخول وزيادة الإنتاجية وتوليد الانتماء.

فالدخل- وفقا لهم- لم يعد يشكل حافزا- بمفرده- للعمل؛ فالعامل ليس مجرد آلة تستجيب بشكل تلقائي، وتنتج أكثر لمجرد تحقق الزيادة في الدخل؛ إذ توجد دوافع أخرى للعمل.

حتى وإن تم ربط الزيادات في الدخول برفع الأداء الابتكاري للعامل أو المستخدم، فإن ذلك- وفقا لبعض الباحثين الاقتصاديين- ليس كافياً؛ إذ يتطلب الأمر دافعاً آخر للعمل وفقا للترتيبات السابقة. وهذا الدافع هو الثقة. ثقة صاحب العمل بمنظومة "وقت العمل المستند إلى الثقة".

في الجزء الخامس سيتم تناول المنظومة السابقة بشكل أكثر تفصيلا، وكيفية إدارتها من حيث المنتوج والدخل.

إعلان