إعلان

ليبيا.. الخطر الداهم على مصر !

عصام شيحة

ليبيا.. الخطر الداهم على مصر !

عصام شيحة
10:18 ص الأربعاء 04 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عصام شيحة

لم تكن حدودنا الغربية أبداً بهذا المستوى من التهديد الخطير للأمن القومي المصري، حتى في أكثر الأوقات خلافاً مع العقيد القذافي.

وعندما نشبت الاحتجاجات الليبية ضد حكمه، في فبراير 2011، كانت مصر قد أسقطت نظام مبارك بالفعل، وبدأت تنشغل بمجريات الأمور الداخلية على نحو لا يمكن أن يتيح الفرصة لمتابعة الأحداث في ليبيا، واستشراف ما يمكن أن تصل إليه المستجدات من خطورة على أمن مصر ومصالحها.

إضافة إلى ذلك؛ فإن السياسة الخارجية لمصر لم تتعود على التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ما جعل الشأن الليبي بعيدا إلى حد كبير عن الملاحقة والمتابعة الدقيقة التي أراها كانت واجبة لما تمثله ليبيا من وضع خاص داخل منظومة الأمن القومي المصري.

ولعل محل الخصوصية هنا يتعلق كثيراً بالتفرد الحاصل في "الدولة" الليبية، ومعاناتها من غياب المؤسسات على نحو ما هو معروف، وبالتالي فليبيا كانت تستحق استثناءها من أسس السياسة الخارجية المصرية التي ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول؛ إذ كانت ليبيا مُهيأة لأن تكون مركزاً لاستقطاب الإرهابيين من كل جهة، فضلاً عن تمتعها بأفضلية لدى سماسرة الهجرة غير الشرعية لضعف القبضة الأمنية للدولة على سواحلها الشاسعة على البحر المتوسط، مثلما تمتد حدودها البرية مع دول عديدة يمكن التسلل عبرها إلى الداخل الليبي ومغادرته في أقرب فرصة إلى السواحل الأوروبية.

ونضيف إلى ذلك أن العقيد القذافي كان يعتمد بشكل كبير على ميليشيات مسلحة من الأفارقة المرتزقة، ما جعل من الأمر "ثقافة" موجودة بالفعل ومتراكمة ممارساتها على الأرض الليبية.

ومنذ اللحظات الأولي لغياب "دولة" القذافي، تسلل أردوغان وداوم على نقل الإرهابيين من ليبيا إلى سوريا والعراق، حيث كانت الصراعات المسلحة هناك تجذب القوى الإقليمية الراغبة في دعم الإرهاب تفعيلاً لدوره المعروف في زعزعة استقرار الدول وهدم مكتسبات الدولة الوطنية.

والمفارقة وحدها ليست كافية لنصف بها ممارسات أردوغان الآن في نقل الإرهابيين بالعكس، أي من سوريا إلى ليبيا، إما لينخرطوا في أعمال عسكرية ضد الجيش الوطني الليبي ودفاعاً عن زملائهم الإرهابيين في ميليشيا طرابلس المتحالفة مع السراج، أو لاتخاذ سُبل الهجرة غير الشرعية مُهدداً بهم أوروبا التي وصف بعض قادتها تصرفات أردوغان بالابتزاز.

وفي الواقع، فإن أوروبا كثيراً ما خضعت لابتزاز أردوغان، وأغدقت عليه المساعدات ليقف عقبة أمام المهاجرين غير الشرعيين الراغبين في التسلل إليها عبر بلاده.

من هنا كانت ليبيا ساحة أخرى للصراع بين مصر وتركيا، حتى إن أردوغان كان يحاول دائماً إبعاد مصر عن المشاركة في بحث الملف الليبي، وكأن مصر ليس لها حدود ممتدة مع ليبيا، فضلاً عن عروبة ليبيا، إلا أن أردوغان يود لو يُنطق التاريخ عساه يذكر تواجداً لبلاده في المنطقة.

وبالفعل شاركت مصر في مؤتمر برلين لبحث الأزمة الليبية، وخرج المؤتمر بتوصيات تمنع تزويد أطراف الصراع بالأسلحة، وتناشد الكل عدم التدخل في الشأن الليبي، لكن أردوغان كعادته لم يلتزم؛ وواصل إرسال الإرهابيين والعتاد العسكري والخبراء العسكريين.

ولا يخفى كذلك الانتماء الإخواني للسراج، ولا محاولات أردوغان تسريب الإرهابيين إلى داخل مصر، فضلاً عن محاولته التحرش بالمكتسبات القوية من الغاز لمصر واليونان قبرص.

وأمام مغامرة أردوغان في ليبيا، تتمسك مصر بموقفها الثابت من الأزمة الليبية، داعية إلى حل سياسي ليبي بالأساس، تضطلع فيه دول الجوار بمسؤولياتها لمنع الدول الراغبة في اقتناص مصالحها على حساب مقدرات الشعب الليبي وأمنه وسيادته وسلامة جيرانه.

وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه في ظل مواصلة أردوغان، بدعم قطري مؤكد، إرسال الإرهابيين والسلاح والخبراء.

وترى مصر أن الحل السياسي للأزمة الليبية يمكن، من خلال تشكيل حكومة مستقلة، ونزع سلاح الميليشيات، والتوزيع العادل للثروات بين الليبيين، وتنظيم الجيش الليبي.

إلا أن الملاحظ أن الأزمة الليبية تفتقد أي دور حقيقي للجامعة العربية، أو للاتحاد الأفريقي الذي ولد في فكر القذافي، ومن ثم فإن تدويل الأزمة الليبية يضعها في مهب رياح عاتية تُغلف الصراع الإقليمي، ما بين مغامرات أردوغان في استعادة الزعامة العثمانية، وخلافات استعمارية وتّرت العلاقة بين فرنسا وإيطاليا بدافع من الرغبة في السيطرة على الثروة النفطية الليبية، ومن جهة أخرى، نجد أن رهان مصر على الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في توحيد الجيش الليبي والحفاظ على سيادة ليبيا وحماية ثرواتها.

لتظل ليبيا الخطر الداهم على مصر، والذي أراه يفرض علينا التخفف من ثقل ما تفرضه علينا ثوابتنا الراسخة من عدم التدخل في الشأن الداخلي لغيرنا من الدول، فليبيا حالة استثنائية لا يمكن القياس عليها، أو قياسها على غيرها من الأزمات المحيطة بمصر.

إعلان