إعلان

الفلسفة في زمن كورونا

د. أحمد عمر

الفلسفة في زمن كورونا

د. أحمد عبدالعال عمر
09:00 م الأحد 22 مارس 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

أظن أن الفترة القادمة من تاريخ الوطن والمنطقة والعالم، فيما بعد ظهور "فيروس كورونا" سوف تكون متخمة بالأحداث والتطورات والمصائر الدرامية الكاشفة، التي ستحتاج إلى قراءة عميقة وواعية، تقوم بها عقول فلسفية رصينة، تمتلك موهبة التفكير، ومهارات الرصد والتحليل، وبراعة التعبير، وشجاعة قول الحقيقة، وأن المُتغيرات التي ستحدث في العالم في قلب كارثة كورونا وما بعدها سوف تدفع البشر إلى مراجعة المعاني التي كانوا يعيشون من أجلها، ومراجعة الكثير من القناعات والأفكار والمفاهيم التي ثبت فشلها في مواجهة الأخطار التي جسدها هذا الفيروس، والحقائق التي كشف عنها.

ومن أبرز تلك الحقائق انعدام قيمة كل ما في حوزة البشر من حرية ومال وممتلكات، وتهافت كل ما كانوا يظنونه من إنجازات، وتفاهة كل من كانوا يتصدرون المشهد العام، ويُجسدون نموذج القدوة والمثل الأعلى.

وأن عالم سيطرة القطب الأمريكي الواحد قد صار خطراً على البشرية. وأن العولمة التي اعتبروها نهاية للتاريخ، وانتصاراً للنموذج الرأسمالي الغربي وقيمه ومفاهيمه وثقافته - قد صارت عولمة للكوارث التي أصبحت تُهدد استمرار الحياة على الأرض.

وكل تلك المتغيرات والحقائق سوف تجعل الفلسفة ضرورة حياة في عالم ما بعد كورونا، لكي تُعطي معنًى جديدًا أكثر إنسانية للحياة.

ولكي تُصلح بالفكر الفساد الناشئ عن تردي أحوال السياسة والمجتمع والاقتصاد، عبر ممارسة دورها التاريخي في النقد وكشف الزيف. وممارسة دورها التاريخي في صياغة المفاهيم والتصورات والقناعات الحاكمة والضابطة لسلوك البشر والدول.

ويقيني التام أن هذا هو ما سوف يكون عليه الوضع مستقبلاً في العالم الغربي، لأن الغرب يملك دوماً إرادة الحياة، وشجاعة نقد الذات، ويعرف جيداً قيمة الفكر والمفكرين، ودورهم في إنارة طريق أهل السياسة والحكم.

أما في عالمنا العربي، فأظن أننا سوف نقبع كعادتنا في مقاعد المتفرجين، ننتظر ما سوف يقدمه لنا الغرب الأمريكي والأوروبي أو المراكز الحضارية الجديدة في الشرق الأقصى، من أفكار ومفاهيم جديدة لصنع العالم الجديد، وأننا سوف نظل مستهلكين للفكر والعلم والتكنولوجيا، وكل ما يصنعه غيرنا، وغير قادرين على أن نكون إضافة للحضارة الإنسانية، ولمنجزاتها الفكرية والعلمية.

فهل من سبيل لتغيير هذا المصير؟

أظن أن هذا لن يكون إلا بتعظيم حضور العلم والعلماء ورجال الفكر ودورهم في حياتنا. وبمنح الفلسفة حريتها في النقد وكشف الزيف، وإخراجها من قاعات الدرس بالجامعة إلى فضاء الشارع، ومن ضيق المناقشات الأكاديمية البعيدة عن الواقع بين المتخصصين إلى رحابة الحوار المفتوح عبر الصحافة والإعلام حول مُستجدات العصر واللحظة الراهنة، وكل ما يشغل الناس والمجتمع، ويؤسس لوعي جديد.

إعلان