إعلان

شيء عن "الكورة التي هي أجوان"..

د.هشام عطية عبد المقصود

شيء عن "الكورة التي هي أجوان"..

د. هشام عطية عبد المقصود
07:01 م الجمعة 04 ديسمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

صك المعلق الراحل محمد لطيف في زمن بعد مداه تلك الجملة المؤثرة بلاغيًا، فتلقفتها الألسنة تكرارًا، وتناولتها الأجيال نقلًا وبثًا واستشهادًا، حتى صارت ما يشبه اليقين أحادي التوجه في التعريف بمتعة كرة القدم، ومضت عقود طالت ولم يحاول أحد رغم كل ما تغير في اللعبة وسياقاتها أن يعيد استنطاق العبارة على ميزان جديد، في أنه تُحسب النتيجة حقا بعدد الأهداف، لكن تظل متعة اللعب والمتابعة دوما هي الأساس والجميع يستحق التشجيع والتقدير.

ربما كان الرجل الذي هيمن على عرش التعليق الرياضي في مصر زمنا يقصد فقط وببساطة مباشرة أن الفوز له عنوان واحد وأنه مهما ارتطمت كرة بقائم أو عارضة أو غير ذلك فالنتيجة ستحتسب فقط وفق ما يدخل المرمي ويتجاوز خطها من كرات تسمى في عرف اللعبة وحكمها وجمهورها هدفًا.

تخيل قليلا عزيزي القارئ في رحلة ومنظومة تحويل كرة القدم من متعة بسيطة يلعبها الناس في الشوارع والساحات بأشكال شتى منذ بداياتها القديمة وحتى تحولت إلى لعبة منظمة لها مؤسساتها وهيئاتها وقوانينها محليًا ودوليًا، ماذا مثلا لو قرر أحدهم حينها أن يتسع المرمى عشرة سنتيمترات إضافية أو تطول العارضة خمسة سنتيمترات إضافية هل كان ذلك سيغير من اللعبة الآن شيئا؟، لكنها هكذا مضت وفق رؤية ما حينها ارتبطت بقياسات زمانها وصارت بعدًا دوليًا في تقنين اللعبة يلتزم به الكل حتى في تلك الدول التي تتفاوت بوضوح متوسطات قامة البشر بها قياسًا إلى بعضها، هل ترى ذلك طبيعيا مثلا!، لكن اللعبة مضت هكذا وسيكون كل ما تضمنته من تخطيط الملعب طولًا وعرضًا مدخلًا لتعريف ما هو "ملعب قانوني" يلتزم به الجميع.

نشأت كرة القدم كغيرها لعبة تتضمن مسابقات لطيفة رياضيًا مقصود منها تمضية وقت طيب للمتابعين وهم بلايين البشر، تنافس جميل وبعض من متعة صارت هي ضالة البشر في عصر التطور والتعقيد والبحث عن مجال تخف فيه ضغوط الحياة، لعبة هي كذلك وبدأت ومضت لم تجعل الأكثر حصدًا لكأس العالم متصدرين لمؤشرات التنمية في الكون، وما بالك مثلا وقد فازت البرازيل بأكبر عدد من كؤوس العالم في زمن كانت فيه ضمن منظومة مؤشرات اقتصادية دولية متوسطة ونامية، وكذلك الأرجنتين، كما تفوز بها وتتنافس في نهائياتها دوما ألمانيا وإيطاليا بغض النظر عن صعود وهبوط مؤشراتها الاقتصادية عبر العقود، ولم تفز بها الولايات المتحدة الأمريكية وهي مثلا: "نمبر وان" كما تسعى إنجلترا دوما للفوز بها عبر عقود قريبة مضت أيضًا، ولا تفلح، هي لعبة ممتعة وكفى.

علينا القول إنه في كرة القدم -تلك اللعبة- لو كان الفوز وحده سبيلًا للحضور في تنافسياتها ومؤشر الصعود لمنصة التتويج هو الهدف لا غيره لانتهت اللعبة منذ زمان بعيد في كل الكون، حيث تتنافس المنتخبات بحمية وهمة وتبذل مالًا وجهدًا واستعدادًا لكي تتأهل لكأس العالم، ويعلم غالبية المتأهلين أنهم ليس لهم حظ في الحصول على الكأس، ولو كان ذلك محركًا وحيدًا لهم في التأهل والسعي لما شاركوا، لكنه الحضور والتواجد في منصة تنافس عالمية بحضور معقول ومشرف -وفق التعبير الرائج- يمتع مواطنيهم ويتسع لحضور دولتهم في محفل عالمي يراه أغلب سكان الكون.

وعلى النطاق المحلي وفي كل دوريات العالم لو كان الفوز كل عام أو كل عدة أعوام ببطولة الدوري هو الهدف ولا غيره لانتهت منافسات ودوريات كرة القدم ولانغلقت على ناديين او ثلاثة "يتصارعون وحدهم"؛ لأنه غالبًا يحصد البطولات في كل دوريات العالم نادٍ أو اثنان أو حتى ثلاثة، ويمر عقد أو يزيد حتى يشاركهم نادٍ آخر مرة ويغيب، ولو كان الهدف هو فقط الفوز والتتويج وفقط لاختفى كل مشجعي الفرق الكثيرة العديدة التي يضمها دوري كرة القدم في كل دولة، وتركوا جدول مباريات الدوري فارغًا؛ ليتنافس فيه فقط من اعتاد أو اعتادا حصاد البطولة كل عام وكفى بذلك سبيلًا.

علينا أن نقول وداعًا طيبًا لكلمات الكابتن لطيف عن تلك "الكورة التي هي أجوان"؛ لتكون الكرة لعبة ممتعة يفوز فها من يسعي ويبذل الجهد ويقدم الفنيات ويمتع المشاهدين من كل نطاق، وتكون كل التحيات لكل الفرق الأخرى التي شاركت وسعت ومنحت للبطولة مسمى أنها دوري به مساحة تنافسية "رحيمة"؛ لتستحق كل الفرق شكرًا من فاز ومن شارك وسعى ولو تخطت عتبة خط مرماه عدة مرات كرة بلاستيكية تركلها الأقدام.

إعلان