إعلان

الانتظار.."قصة قصيرة"

د.هشام عطية عبد المقصود

الانتظار.."قصة قصيرة"

د. هشام عطية عبد المقصود
07:01 م الجمعة 27 نوفمبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كان ضوء النيون ينبعث من أعلى الباب الخارجي يراه من بعيد ضئيلًا باهتًا كوجه شاحبٍ متعبٍ، ثم لا شيء آخر سوى الفراغ يملأ امتداد الممشى الضيق المؤدي إلى المنزل، والذي يقبع هناك طوال سنوات كثيرة مضت لم يتمكن مدققا من إحصاء عددها، ينصت جيدًا بينما يواصل الطريق نحوه، لفحات هواء بارد تلسع الوجه وتسير معه، يمسح أنفه بمنديل ورقي ويمضي في اتجاه الباب الخشبي، فوق لمبة النيون التي تستلقي أفقيًا بميلٍ واضحٍ؛ لأسفل على عارضة خشبية أعلى الباب تجمعت بقع رمادية من تراكم طبقات تراب على الحائط الذي يشي التدقيق فيه أنه ربما كان طلاء أبيض اللون ذات يوم.

يضع إبهامه بحذر على الجرس وينتظر حتى يسمع صوتًا منغمًا رفيعًا ممتدًا يأتي من الداخل، انطلق الصوت في تتابع ممتد حتى بدا له أنه لن يتوقف، فجأة يحل الصمت التام كأن شيئًا لم يحدث سابقًا، يظل واقفًا ينتظر، عرف أنه قد مرت دقيقة كاملة وهو يتابع اكتمالها عبر انتهاء دورة عقرب الثواني واستقرارها بطيئة على المؤشر في ساعته، تنتابه رغبة قوية في العودة، لكن ترددًا يهزم الرغبة فيُسكنها ويُصمت صوت إلحاحها، يحادث نفسًا مصارحًا أنه كم يتمنى لو أن الباب لا يفتح، يخجل لكنه يظل منتظرًا ذلك وهو يقترب من الباب مرة أخرى، ثم وهو يضع بصمة إبهامه ذاتها على جرس الباب، ومسرعًا هذه المرة ومحدسًا بأنه لن تأتي إجابة كما المرة السابقة.

يعيد التفكير في التصرف القادم، يقول إنه سيكتفي بالمغادرة في صمت، ثم يتردد قليلا ويقول ربما من الأفضل أن يكتب كلمات معدودة على ورقة مسطرة حتمًا سيجدها معه في حقيبته يقول فيها إنه جاء وانتظر وعندما لم يجد ردًا اضطر إلى المضي؛ لارتباطه بأشياء وأنه ربما سيعود مرة أخرى، يفكر في تحديد هذه الأشياء ويقرر تركها هكذا، توقف فجأة وهو يعيد معنى الجملة الأخيرة في الرسالة المنتوية: "إنه ربما سيعود مرة أخرى" ويقرر أنه لن يكتبها، سيقول بدلا منها إنه جاء وانتظر، وعندما لم يرد عليه أحد مضى، ويعبر عن تحيات وتمنيات طيبة، يقول لنفسه مطمئنًا هذا أفضل كثيرًا، ويستريح لذلك.

على جانب الباب تقف شجرة تقزمت فروعها كأنها لم تعد تنمو منذ زمن، ولم تعد تتأثر هيئتها بتغير الفصول، يقول إنه رآها ذات مرة أكثر علوًا واخضرارًا، يُجهد عقله استحضارًا فلا يتذكر متى كان ذلك تحديدًا، لكنه يوقن أنه قد مر وقت طويل على ذلك، يثب فجأة إلى مخيلته مشهد يتقينه عن كرسي خشبي بمسند طويل كان يتواجد دائمًا إلى جوارها، يعيد تفحص المكان بحثًا عن الكرسي فلا يجد شيئًا غير سلة قمامة مثقوبة، ينظر ويسأل متى جاء كل هذا التراب إلى المكان.

يمضي معطيًا ظهره إلى الباب بعد أن اكتفى بكتابة اسمه على ورقة صغيرة مررها من تحت الباب، وتأكد أنها اختفت تمامًا في الداخل، انتابه شعور مفعم بالراحة، مشى مسرعًا تسابق خطواته ظله المستلقي على أرضية الممشى الطويل، يمضي نحو الطريق الرئيسي، بينما أذنه تستنفر حاسة التقاط اﻷصوات حتى طاقتها القصوى خشية أن يلاحقه فجأة صرير ذلك الباب الخشبي الضخم وهو يفتح.

إعلان