إعلان

"كل شيخ وحسب تكوينه"

الشيخ أحمد تركي

"كل شيخ وحسب تكوينه"

الشيخ أحمد تركي
07:13 م الجمعة 09 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

المثل المصري يقول: "كل شيخ وله طريقة"، وأنا أقول: "كل شيخ وحسب تكوينه!".

اختيار الواعظ أو العالم للموضوعات التي يتحدث فيها تعكس شخصيته وتكوينه الثقافي والعلمي، هل يهتم باحتياجات الناس من القرآن والسنة وكنوز التراث، أم يتحدث وفق ما تمليه عليه نفسه؟!.

يعز علىّ، رؤية زملاء أفاضل يجلسون أمام الكاميرات عبر شاشات الفضائيات، وتضيع ميزانية مالية ضخمة في البث والتصوير وخلافه، وهو يحدث الناس بكل انفعال وتقعر عن: "هل الحور العين في الجنة تحيض، وكأن الناس عندما تعرف هذه المعلومة سينتفضون إلى الهداية؟!.

ويعز علىّ، سماع بعض السادة المتحدثين في إذاعة القرآن الكريم بكل انفعال عن موضوعات في فروع الفروع، وأغلب الموضوعات مكررة بين البرامج -واضح عدم التنسيق بين برامج الإذاعة نفسها-!.

يؤسفني القول: إن أكثر من 80% من الخطاب الديني الذي يهطل على الناس عبر الفضائيات والسوشيال ميديا من السادة المعممين والسلفيين وفرافير الوعظ الممولين من الخارج، يتناول مسائل فرعية، بل وفروع الفروع، ومعظم هذه المسائل تخص النصف الأسفل من الإنسان، ولا مانع عندهم من شتم الإرهاب مرة أو مرتين لتمشية الحال، دون مكافحته فكريًا على النحو المطلوب، وبعضهم يتعامل مع قضايا الإرهاب والتطرف بنظرية مسك العصا من المنتصف!.

أذكر في خطبة الجمعة التي تلت حادث مسجد الروضة ببئر العبد، والتي قد استشهد فيها المئات من المصلين على يد كلاب النار، كانت المنابر كلها تتحدث عن الإرهاب واعتدائه على المصلين!.

هاتفني صديق كان يصلي الجمعة في أحد مساجد منطقة (...)، وكان يخطب الجمعة فرفور من فرافير الوعظ في الفضائيات، فتحدث عن (مفاتيح الرزق)، المساجد كلها تتحدث عن الإرهاب وفاجعة مسجد الروضة، وهو يتحدث عن مفاتيح الرزق!، فهاتفته، وقلت له: أنا الشيخ أحمد تركي، لماذا لم تلتزم في خطبة الجمعة بالموضوع المحدد؟!.

قال لي: يا شيخ أحمد أنا لست مقاتلًا مثلك، يوجد في المسجد انتماءات مختلفة، وأنا مش عاوز يحصلي زي ما حصلك، وبعد تلقينه الدرس المناسب أبلغت الزميل المسؤول في الأوقاف عن هذه الواقعة، والتي أظنها تمت تسويتها، وتأكد لي بهذا الموقف أزمة كبيرة من أزمات الخطاب الديني!.

بالطبع توجد إجراءات ضخمة تدعمها الدولة المصرية حتى لا تحدث هذه الثغرات، ولكنها شكلية التنفيذ أكثر منها واقعية، وهذه من نقاط الخلاف الكبيرة بيني وبين بعض الزملاء الذين يقاتلون حتى يبقى الوضع على ما هو عليه، وكثير من الزملاء يعترضون على كلامي بحجة أنهم يظهرون مواضيع لها أدلة ونصوص!.

أقول لهم:

التراث الإسلامي يا شيوخنا الأفاضل بحر عميق، فيه من الجواهر الكثير وفيه أيضًا تفاصيل لا نحتاجها، أو بالأصح غير مناسبة لوضعها في بؤرة الاهتمام، فلا تكونوا كالمغيب الذي سمعته في الدانمارك عام 2002 يتحدث عن فقه تحرير الجواري والعبيد، ويستند إلى نصوص، تخيل يا مؤمن، شيخ يتحدث في دولة أوروبية عن هذا الموضوع الذي شرعه الله؛ لإنقاذ الرقاب من ظلم البيئة العربية وقت الاستعباد، وتخلصت البشرية كلها من هذا المرض، فلماذا الحديث في هذا الموضوع بلا مناسبة؟!.

أو هذا الذي وقف أمامي -في مؤتمر- مع وفد من أساتذة الجامعات الألمانية يستدل على سماحة الإسلام وعظمته بالحديث: "إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"، ولولا تدخلي بتفسير النص وسياقة لكانت ستحدث مصيبة كبيرة!.

كما أذكر موقفًا مؤسفًا لبعض المعممين الكبار، -كان متطرفًا لفترة كبيرة- ثم أظهر دور الوطنية لزوم المرحلة، دعم كلامه المحفوف بالوطنية ودعم الوطن بعبارات قالها الإرهابي سيد قطب في كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام، وهو يؤصل لإسقاط الوطن، وبناء دولة الخلافة، وفق تصوره الإرهابي، فحوّر مولانا كلام سيد قطب مع استخدام مضمونه، فهل نحن في حاجة إلى كتابة المتطرفين والإرهابيين؟!، بالطبع، لا، لكن هذه هي بضاعته.

أرجوكم يا سادة: تناولوا قضايا الروح والنفس والعقل والقلب، وموضوعات الحروب الحديثة وكيفية المواجهة، وحبائل الإرهاب والتحذير منها، حببوا الناس في حياتهم؛ ليحبوا ربهم ووطنهم وينشطوا نحو العمل والإنتاج، ضعوا في اعتباركم أن حقائق العلم مع أصول الإسلام خَير وسيلة للإقناع وسوق الناس إلى الخير.

لأجل هذا أقول: إن تكوين العلماء والوعاظ من أهم مشروعات الوعي الديني، ونحن نواجه حروبًا فكرية ضارية.

#كل_شيخ_وحسب_تكوينه

#معارك_الوعى

#إن_الله_معنا

#الشيخ_أحمد_تركي

إعلان