إعلان

 دمشق.. ولو طال الغياب!

سليمان جودة

دمشق.. ولو طال الغياب!

سليمان جودة
07:52 م الأحد 11 أكتوبر 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع


تفاءلت كثيراً حين طالعت نبأ وصول أول سفير خليجي إلى سوريا، منذ أن حل بها "ربيعها العربي" منطلقاً من درعا جنوبيّ البلاد في مارس ٢٠١١!
الخبر جاء في صدر عدد صحيفة الشرق الأوسط الصادر صباح الاثنين ٥ أكتوبر، ومن بين تفاصيله أن سلطنة عُمان أرسلت تركي محمود البوسعيدي، سفيراً لها في العاصمة السورية دمشق، وأن وزير الخارجية السوري وليد المعلم تسلم نسخة من أوراق اعتماد البوسعيدي سفيراً مفوضاً فوق العادة لدى الجمهورية العربية السورية!ّ
وعندما يستقر السفير الجديد في مكتبه سوف يكون هو السفير الخليجي الأول الذي يصل سوريا على مدى عقد كامل مضى من الزمان!
من قبل كانت الإمارات والبحرين في ٢٠١٨ قد أعادتا فتح سفارتيهما في دمشق، ولكن العلاقات بينهما وبين سوريا بقيت عند مستوى القائم بالأعمال، ولم تصل بعد إلى مستوى السفير. وربما تغري الخطوة العُمانية أبوظبي والمنامة ومعهما عواصم عربية وخليجية أخرى، باستئناف العلاقات مع السوريين من جديد، وبتصعيدها إلى مستوى العلاقات الكاملة، من خلال سفير مقيم!

وما يهمني في الموضوع أن هذه العودة العربية إلى الجمهورية العربية السورية هي عودة إلى سوريا البلد، والوطن، والأرض، قبل أن تكون عودة إلى مد خيوط العلاقة مع نظام حكم الرئيس بشار الأسد الذي لا تزال على سياساته ملاحظات جوهرية من جانب عدد من العواصم العربية، وهي ملاحظات في محلها في الكثير منها.

ولكن أنظمة الحكم تأتي ثم تغادر في النهاية، مهما طال أمد بقائها فوق الكرسي، غير أن البلد يبقى في مكانه بين الدول، والوطن يستمر في حضوره، والأرض يدوم رسوخها في موقعها على الخريطة!

وفي فترة الغياب العربي عن دمشق، كان يؤلمني، ويؤلم غيري بالضرورة، أن يكون الملف السوري متداولاً بين الإيرانيين والروس والأتراك، ومعها الأمريكان والإسرائيليون من بعيد، ثم لا طرف آخر معها وهي تتنافس وتتصارع على الغنيمة السورية.
فلم يكن الطرف العربي يحضر في كل الحالات، رغم أنه الطرف الأول في القضية، ورغم أنه الطرف الأصيل في الملف كله، ورغم أنه الأولى بسوريا من الأطراف الخمسة جميعها، فالأوضاع في سوريا على مدى السنوات العشر الماضية كانت توضع على أي مائدة إلا أن تكون مائدة عربية، وقد كانوا يتحلقون حول ملفها في موسكو، وأنقرة، وطهران، ولا عاصمة عربية!

وكان كل طرف منها يبحث عن مصالحه المباشرة وغير المباشرة في سوريا، ولم يكن أي طرف بينها يهمه شأن السوريين في شيء، حتى ولو أشاع أن هذا الشأن يشغله ويملأ عقله.
إنني أتحدث عن السوريين الذين نزحوا، وتشردوا، وهاجروا إلى بلاد الله خلق الله، تحت وطأة "الربيع" الذي نال منهم، كما لم يحدث مع شعب سواهم في المنطقة!
كانت ايران تسعى إلى نفوذ لها في العاصمة السورية يضاف إلى نفوذ آخر في ثلاث عواصم لا تداري وجودها فيها، وكانت روسيا تتمدد في تراجع الوجود الأمريكي وانسحابه، سواء في أيام الإدارة الأمريكية السابقة أو الحالية، وكانت تركيا توسع من مناطق تواجدها في الشمال السوري، وكانت تفعل ذلك عن رغبة في لعب دور في الإقليم مرة، وعن رغبة في مطاردة الأكراد مرةً ثانية، وكانت تدخل مدينة حلب كبرى المدن في سوريا بعد دمشق، ثم تفكك مصانعها وتنقلها إلى داخل الأراضي التركية، وكانت الولايات المتحدة تتواجد على استحياء، وإذا تواجدت فمن أجل حراسة حقول النفط!

وعندما نشرت وكالة الأنباء الفرنسية صورة العربة العسكرية الأمريكية التي تحرس حقل نفط الرميلان شمال شرق سوريا، كانت الصورة كافية وحدها لنفهم منها ماذا بالضبط يهم واشنطن في الأراضي السورية، ولماذا تذهب عرباتها العسكرية إلى هناك حين تذهب!
وكانت تل أبيب تتصرف طوال الوقت بما تراه أقدر على إبعاد الإيرانيين عن الجنوب السوري، وعن هضبة الجولان السورية المحتلة بالذات!
ولا بد أننا سنكون واهمين لو تصورنا- ولو للحظة- أن ما يحقق صالح الشعب السوري كان في حساب أي طرف من الأطراف الخمسة؛ فلقد كانت جميعها تغني على ليلاها في أرض الشام، لا على ليلى السوريين، ولا على ليلى سوريا كبلد يجب أن يعود كما كان، قبل أن تهب عليه رياح "الربيع" الذي لم يكن أبداً اسماً لم مسمى في كل حالاته.

إعلان