إعلان

إلا أن يكون اللاعب عربياً!

الكاتب سليمان جودة

إلا أن يكون اللاعب عربياً!

سليمان جودة
09:00 م الأحد 26 يناير 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

اللقاء الذي ضم وزراء خارجية دول الجوار الليبي، الخميس الماضي، كان مختلفاً عن كل المرات التي جرى فيها من قبل تحت المسمى نفسه.. فمنذ بدأت ليبيا طريقها إلى وضعها المتأزم الحالي كان لقاء يضم دول الجوار معها ينعقد كل فترة، ولكنهم كانوا وزراء ثلاث دول فقط هي مصر والجزائر وتونس!

وهذه الدول الثلاث على جوار مباشر بالفعل مع الدولة الليبية، وربما تكون حدودنا المشتركة مع ليبيا هي الأطول بين كل الدول الجوار معها.. ولكن المشكلة أن دولاً أخرى تجاور ليبيا بصورة مباشرة، بخلاف هذه الدول الثلاث التي كان وزراء خارجيتها يجتمعون دوريا!

هذه الدول الأخرى تقع على الحدود الليبية مباشرةً، ومن بينها دولة عربية واحدة هي السودان، ودولتان أفريقيتان غير عربيتين هما تشاد والنيجر!

ولذلك.. كان اجتماع دول الجوار الثلاث الأولى ناقصاً في كل مرة، ولم يكن نقصانه عن قصد في الغالب، وكان الحديث مع كل اجتماع، عن أنه اجتماع دول الجوار الليبي، حديثاً غير دقيق، وبالأدق كان اجتماعاً لنصف دول الجوار!

هذه المرة التي كانت في نهاية أسبوع مضى، كان اللقاء مكتملاً لأول مرة، وكان وزراء خارجية تشاد والسودان والنيجر حاضرين إلى جانب الوزراء الثلاثة، الذين التقوا فيما سبق عشرات المرات.. بل إنهم زادوا وزيراً سابعاً على غير المتوقع، هو وزير خارجية مالي، رغم أنها لا حدود مباشرة لها مع ليبيا!

وربما يكون الشيء الذي دعا إلى وجود مالي على المائدة أن لها جواراً مباشراً مع الجزائر، باعتبارها الدولة التي تستضيف اللقاء، أو يكون السبب أن مالي عضو في تجمع اسمه دول الساحل والصحراء الخمس، الذي يواجه موجة من الإرهاب هذه الأيام أكثر من أي فترة ماضية!

أو يكون السبب أن مالي دولة لها تجربة في مقاومة الإرهاب، تماماً مثل الجزائر صاحبة التجربة الشهيرة المماثلة في تسعينيات القرن الماضي، التي اشتهرت بأنها العشرية السوداء.. فهي تجربة امتدت عشر سنوات تقريباً من مطلع التسعينيات إلى بدء هذه الألفية الثالثة، وقالت تقديرات كثيرة إن عدد ضحاياها من بين المواطنين وصل مائة ألف ضحية!

وفي كل الأحوال كان حضور مالي في اجتماع الخميس مفيداً، وكان اكتمال دائرة الجوار على مائدة اجتماع الجزائر أكثر إفادة، لأن حل المعضلة الليبية القائمة، هو أولاً حل ليبي داخلي في الأساس بين طرفي الصراع، ثم هو، ثانياً، حل عربي أفريقي بحكم الجوار العربي الأفريقي المشترك!

إن أمامنا سوريا التي غاب العرب عن الحضور فيها، وتركوا ملفها يتنازعه الروس، والإيرانيون، والأتراك، والأمريكيون، والإسرائيليون، فكانت النتيجة هي ما نراه.. وليس من الممكن أن يتكرر في ليبيا ما جرى في سوريا، وإذا لم يكن الدرس السوري حاضراً في المسألة الليبية، فلن تختلف نهايتها عن نهاية الملف السوري الذي صار ملعباً لكل لاعب في المنطقة وفي غير المنطقة، إلا أن يكون هذا اللاعب عربياً، مع أن سوريا عربية لحماً ودماً، ومع أن كل شيء فيها ينطق بعربيته في كل لحظة!

وإذا لم تكن هناك ميزة لمؤتمر برلين الذي انعقد حول ليبيا يوم ١٩ من هذا الشهر سوى حضور ثلاث دول عربية على مائدته (مصر، والجزائر، والإمارات) فهذا يكفي في حدوده.. فلقد عشنا سنوات نتابع فيها مناقشات واجتماعات حول القضية السورية، وكانت كلها اجتماعات إيرانية روسية تركية، ولم يكن هناك طرف عربي على المائدة ولا لمرة واحدة!

والفكرة التي لا يجوز أن تغيب عنا هي أن القضية في ليبيا بين الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، وبين الحكومة برئاسة فايز السراج، قضية ليبية، ولا بد أن تبقى كذلك.. وهي من بعد ذلك قضية عربية أفريقية من حيث الجوار الليبي، ولا بديل عن أن تبقى كذلك أيضاً!

وليس خافياً على أحد أن كل الأطراف الدولية التي تحلقت حول المائدة في برلين كانت كلها طامعة في شيء في ليبيا، وكان الطمع من جانبها يقع على درجات بحسب الفائدة التي يرى كل طرف منها، أنها ستعود عليه من دس أنفه في الموضوع.. إلا الأطراف العربية الثلاثة.. فليس لمصر مطمع في ليبيا، ولا الجزائر لها مطمع، ولا الإمارات طبعاً!

كل ما تريده الدول الثلاث أن يستقر هذا البلد العربي الكبير، وأن يتوافق أبناؤه على ما يحقق صالحه، وأن تكون ثروته لهم وحدهم، لا لأحد سواهم من الطامعين! ولهذا.. كان اكتمال دائرة الجوار العربي في الجزائر يستحق الإشارة.

إعلان