إعلان

 الحاجة لمشروع إصلاحي فكري (١)

د. غادة موسى

الحاجة لمشروع إصلاحي فكري (١)

د. غادة موسى

أستاذ مساعد - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - جامعة القاهرة 

09:00 م الأحد 02 يونيو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الإصلاح- لغة- هو نقيض الإفساد (لسان العرب والصحاح). والصلاح ضد الفساد. كما أن الصلاح يُعنى بإزالة التنافر. وهذا المفهوم يُنظر له من عدة زوايا، وهو الأمر الذي تبدّى في حركات الإصلاح الديني على سبيل المثال أو إصلاح النفس أو إصلاح التعليم، وبالتالي فإن العلاقة بين هذه الزوايا والتعريفات علاقة تكامل لا علاقة تناقض، لأن جميعها تشير إلى أن عمليات الإصلاح هي تغيير تدريجي سلمي.

والإصلاح كنمط للتغيير ينحو نحو التقويم. والتقويم يعبر عن موقف يتجاوز الرفض المطلق أو القبول المطلق للرأي أو للموضوع محل النقاش والدراسة. وهذا الموقف هو موقف نقدي يأخذ الصواب ويرد الخطأ. فهو نقد للشيء بهدف الكشف عن أوجه قصوره ومن ثم تحسين أدائه. وعليه، فإن الإصلاح يحمل بداخله خصائصه من التدريج والموقف النقدي (التقويم).

ولم يكن يومًا الموقف النقدي عدم اعتراف بجهود السلف أو السابقين، وإنما محاولة للبناء على ما سبق مع تخليصه مما علق به من شوائب "فكرية" بالأساس.

فلا ضرر من التفكير والحديث وتطبيق إصلاحات اقتصادية وفي التعليم وفي الصحة؛ فهي جهود محمودة في ذاتها، وتستهدف صلاح الإنسان، لكن يؤرقني منهجية الإصلاح والخط الفكري الذي يرشدها.

لذلك من الأهمية بمكان أن يسبق الإصلاح "القطاعي" إصلاحٌ فكريٌ يوجه الأخير، وينسق بين مكوناته.

بعبارة أخرى، ما أطلق عليه "المذهب الفكري للإصلاح" الذي يربط بين التدريج والثورة وذلك من خلال المفاضلة، أي تقديم الإصلاح على الثورة قيميا وزمانيا باعتبار الإصلاح هو نمط التغيير الأصيل، ومن ثم وجب الالتزام به.

وعليه، فإنه حتى الحديث عن الثورات العلمية والتقنية قد لا يُجدي كثيراً في ظل غياب مذهب إصلاح فكري يجمع بين الإيمان والعمل. والإشكالية هنا هي إشكالية الفكر الذي نؤمن به "كفكر إصلاحي" قبل أن تكون إشكالية تطبيق هذا الفكر على مستوى العمل.

ولا يمكن فصل الإصلاح الفكري عن حدوث نهضة فكرية في المجتمع المصري والعربي على حد سواء.

ويقصد بالنهضة الفكرية الحالة العامة للارتقاء بالفكر والتعليم في أقطارنا؛ فنحن في حاجة إلى مسلك عقلي يسهم في فهم شكل حياتنا المعاصرة بشكل حديث ومعاصر لا يؤدي إلى قطيعة مع التراث. ومن ثم لا بد من وجود قناعة باستحالة التعارض بين العلم والتراث؛ لأن العلم في إصلاحه خضع لمذهب التدرج والتقويم شأنه شأن التراث. لذلك كان التوفيق مطلوبًا لإخراج المجتمع من حالة اللبس والتشكيك إما في الحديث أو في القديم.

فالتراث ترك لنا مدرستين عظيمتين ناقشتا التفاوت بين المعاصر والحديث وبين التراث من خلال مذهب فكري علمي، وهما مدرستا الشيخ الغزالي وابن رشد، ثم مدرسة الإمام محمد عبده، صاحب النهضة الفكرية الأولى مع أستاذه الشيخ الأفغاني.

وجميعهم رأوا أهمية تحرير الفكر من قيد التقليد المطلق وضرورة الاهتمام بالعقل. لذلك أيضا شددوا على أهمية الاعتناء بشمولية المناهج العلمية ودراسة علوم دنيوية كالفلسفة والتاريخ والطب إلى جانب العلوم الدينية.

كما يتطلب إصلاح الفكر في التعامل مع الآخر مناقشة أفكاره، وليس نقد شخصه. كما يتطلب الإصلاح الفكري الحذر في معالجة أزماتنا الفكرية والمادية بنفس الأدوات التي عالج بها الأوروبيون والأمريكيون أزماتهم الفكرية والمادية، وذلك لاختلاف السياقات التاريخية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية.

فنزع الموضوع عن سياقاته الفكرية والحضارية لتقويمه وتطبيقه في أوطاننا يكون كنزع الفرع عن الأصل، كما أنه سيقودنا إلى إضافة أزمات فكرية أخرى، ونحن لم نعالج بعد أزماتنا من واقع سياقنا الحضاري والفكري.

إعلان