إعلان

ولسان حاله يقول: إياك أعني واسمعي يا جارة !

الكاتب سليمان جودة

ولسان حاله يقول: إياك أعني واسمعي يا جارة !

سليمان جودة
09:00 م الأحد 05 مايو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كلما ساد بيننا اعتقاد بأن تيار الإسلام السياسي في عالمنا العربي، ليس تياراً واحداً، وأنه يضم المتطرف في الفكر وفي السلوك، ويضم المعتدل، في المقابل، فكراً وسلوكاً وقع ما ينفي هذا الاعتقاد لدينا أو ما يجعله محل مراجعة من جانبنا على الأقل!

أما مناسبة هذا الكلام، فهي التصريحات التي صدرت عن يوسف الشاهد، رئيس وزراء تونس، الذي قال فيما معناه إن سياساته كرئيس حكومة تنبع من الحس الوطني عنده، وليس من اليمين، أو من اليسار، ولا من فكر حسن البنا!

ويبدو أنه كان يطلق هذه التصريحات ولسان حاله يقول: إياك أعني واسمعي يا جارة!

وأما الجارة التي قصدها الرجل، وأراد منها أن تسمع منه جيداً، لأنه يعنيها بشكل غير مباشر، فهي حركة النهضة الإسلامية التونسية، التي توصف في العادة بأنها إخوان تونس، والتي يرأسها الشيخ راشد الغنوشي، وتحظى في اللحظة الحالية بأغلبية في برلمان البلاد!

فالحركة طوال عمرها، أو بمعنى أدق في فترة ما بعد ثورات الربيع العربي، كانت تقول على الدوام إنها قطعت علاقتها بجماعة الإخوان منذ عقود من الزمان، وأنها حركة إسلامية تونسية خالصة، وأن لها فكرها الخاص الذي لا علاقة له بفكر الإخوان المتطرف!

وقد كان الذين يسمعون هذه النغمة من حركة النهضة ومن قياداتها المختلفة، خصوصاً الشيخ الغنوشي، ثم الشيخ عبدالفتاح مورو، نائب الرئيس فيها، يصدقونها كنغمة كانت القيادات تُروّج لها دائماً، ولكنها نغمة لم تكن تصمد كثيراً عند كل اختبار!

وكان الاختبار الأكبر هو الخلاف الذي طرأ بين الحركة وبين حزب نداء تونس الذي يتزعمه الرئيس الباجي قائد السبسي، وهو خلاف أدى إلى تراجع حزب النداء في البرلمان، ليصبح رقم ٣، من حيث حجم الكتلة البرلمانية التي يملكها، ولتصبح النهضة هي رقم واحد، ثم ليصبح حزب تحيا تونس الذي يترأسه الشاهد رقم ٢، بعد أن تشكل من نواب انشقوا عن حزب الرئيس!

ولم تكن يد النهضة بعيدة عن هذه العملية التي أدت إلى إعادة ترتيب الأوراق داخل البرلمان، فكل المهتمين بالمشهد التونسي كانوا يتابعون ذلك من بعيد، وكانوا يلاحظونه بوضوح، وكانوا يتساءلون عن حقيقة الهدف الذي أرادته حركة الشيخ الغنوشي من وراء هذا كله!

وكان كل مبصر يستطيع أن يرى أن الهدف ليس الاستحواذ على الغالبية في البرلمان الحالي، وفقط؛ فالهدف أبعد من ذلك فيما بدا!

إنه البرلمان المقبل الذي ستجري انتخاباته في أكتوبر القادم، ثم انتخابات الرئاسة التي ستجري في نوفمبر القادم أيضاً!

ولأن الانتخابات تدق الأبواب على مستوييها البرلماني والرئاسي، فإن النهضة انزعجت للغاية من تصريحات الشاهد، وخصوصاً حديثه عن أن سياساته بعيدة عن فكر البنا بالذات. لقد أحست بأنه يكاد يشير إليها، وأنه يستخدم لغة التلميح، لا التصريح، وبدا الغضب واضحاً في رد فعلها على التصريحات، رغم أن صاحبها لم يذكر أنه يقصد أحداً بعينه من وراء كلامه وتصريحاته التي أثارت صخباً هناك، ولا تزال!

وهذا تحديداً ما يثير الشك الكبير حول مدى ابتعادها عن فكر الإخوان المتطرف، لأنها لو كانت بعيدة فعلاً، لكانت قد ردت على الكلام بما يعني أنها بعيدة تماماً عن هذا الفكر، وأن ابتعادها عنه ليس ابتعاداً نظرياً، ولكنه ابتعاد عملي، وتقوم عليه دلائل على الأرض، وهذه الدلائل هي كذا، وهي كيت!

الظاهر أن التطرف ملة واحدة، وأن الطبع كلما دخل في سباق مع التطبع داخل النهضة التونسية، على سبيل المثال، غلب وانتصر. أو هكذا تبدو الصورة إلى الآن على الأقل. والتحدي الحقيقي هو أن يغلب التطبع وينتصر.

إعلان