القانون يصدأ كما يصدأ الحديد

09:00 م الخميس 13 سبتمبر 2018

نضع القوانين لننظم شئون حياتنا ولكن لا ينبغي أن تصبح هذه القوانين قيودًا تظل لعقود تحكم حياتنا رغم تغير نمط تلك الحياة وسلوكياتنا ونظم معيشتنا وتعاملاتنا.

إعلان

أن يحكمك تصرفاتك في عام 2018؛ قانون صدر عام 1883 فهو أمر غير معقول خاصةً لو كان هذا القانون ينظم جزءًا هامًا في المجال الاقتصادي ويحكم علاقات تجارية يقوم عليها النشاط الاقتصادي في كثير من الدول النامية منها بالذات. الدولة ترعى المنشآت المتوسطة والصغيرة لما لها من تأثير واضح في نشاطها الاقتصادي وتوفير فرص عمل، وتلك المنشآت يحكمها ممارستها لنشاطها عدة قوانين منها من يطبق عليها عند تأسيسها ومنها القوانين التي تصاحب مزاولتها لنشاطها وعلاقاتها بالغير وما يطرأ على تلك المنشآت والشركات الصغيرة والمتوسطة من تغييرات سواء في نشاطها أو في أشخاصها القائمين عليها.

ويتجه أغلب المصريين الذي يرغبون في التجارة والمساهمة في السوق المحلي إلى تأسيس نوعين من الشركات إما شركة تضامن أو شركة توصية بسيطة – والتي تسمى شركات الأشخاص - وكلا النوعين يعتمد في الأساس على الثقة المتبادلة بين الشركاء والتي غالبًا ما تنشأ من علاقات القرابة أو الصداقة.

والقانون الذي يحكم تأسيس هذين النوعين من الشركات هو قانون التجارة الصادر بالأمر العالي في 13 من نوفمبر سنة 1883 والذي تم إلغاء أغلبه عام 1999 عدا المواد التي تتعلق بتنظم هاتين الشركتين.

وقانون التجارة الصادر 1883، جاء قاصرًا عن حل كثير من المشاكل التي تواجه بعض الشركات، ومن أبرزها ما يتعلق باستمرار الشركة حال وفاة أحد شركائها، كما تنظم تلك الإدارة بعد وفاة الشريك المدير الذي كان يتمتع بثقة أغلبية الشركاء بالإضافة إلى قصوره عن وضع نظام وافي لمحاسبة الشريك المدير إذا ما قصر في أداء وظيفته.

وبوفاة أحد الشركاء تُحلّ الشركة بالقانون، ما لم يكن هناك اتفاق بين الشركاء باستمرارها رغم وفاة أحدهم، ولكن تحدث المشاكل إذا ما اتفق بعض ورثة الشريك المتوفى على استمرار الشركة في حين رفض البعض أو اتخذ موفقًا سلبياً أو طلب بحقوق في الشركة أكثر مما يستحق قانوناً مستندًا إلى عدم إمكانية استمرار الشركة دون موافقته مُبتزًا باقي الشركاء والورثة.

ومن هنا، تنقلب حصة الشريك المتوفى إلى مال شائع، وهو أحد أكثر إشكاليات القانون المدني شيوعًا سواءً كان منشأة عن الإرث أو الملكية المشتركة أو غيرهما. ولم يدخل المشرع المصري لوضع حلول تحسم المنازعات الخاصة بالمال الشائع أو تعيد تنظيم أحكام المال الشائع من الناحية المدنية خاصة، فالمال الشائع تحكمه قواعد القانون المدني التي -غالبًا- لا تؤدي إلى حسم النزاع بين الطرفين بشكل سريع وعادل. فقد مرّ على تلك القواعد ما يقرب من سبعين عامًا بالنسبة لنصوص القانون المدني، وأكثر ممن قرن على نصوص قانون التجارة المنظمة لشركات الأشخاص، إذًا فالسبيل للتغلب على ما أفرزه الواقع من عقبات -بشأن الانتفاع بالمال الشائع وسلطات الشركاء في التصرف في حصصهم الشائعة وتنظيم الانتفاع به- سوى ابتكارات القضاء وتفسيرات القضائية للنصوص في ضوء متغيرات المجتمع وتطوره أو تدهوره، وبما يضعه القضاة من حلول فيها مُوَاءَمة بين النص وبين حاجة المجتمع.

وفي الوضع الحالي يمكن لفرد يمتلك حصة واحد بالمائة من رأسمال شركة أشخاص أن يعطل حياة تلك الشركة ويؤثر على نشاطها، ما يؤدي إلى فقد السفينة الاقتصادية إلى أحد المجاديف التي تساعد على وصولها لبر الأمان، خاصةً في ظل إغفال المشرع لنوعي هاتين الشركتين -شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة- عند تنظيمه لاختصاصات المحكمة الاقتصادية والتي أعطاها المشرع الحق في نظر المنازعات التي تتعلق بقانون الشركات المساهمة وذات المسئولية المحدودة -والتي تسمى شركات الأموال-، وكأن المشرع لا يعتبر أن شركة التضامن وشركة التوصية البسيطة ليستا مؤثرتين في النشاط الاقتصادي.

إضافة إلى ذلك، فإن المشرع قد أسسّ وعدل وغير الإدارة في الشركات المساهمة وذات المسئولية المحدودة، قواعد أيسر وأقل في استهلاك الوقت عن تلك الموضوعة لشركات الأشخاص، ويظهر اهتمام السلطتين التشريعية والتنفيذية -ممثلة في هيئة الاستثمار- بشركات الأموال دون شركات الأشخاص إذ تعاقبت التعديلات التشريعية واللائحين لشركات الأموال لتجعلها أكثر يُسرًا لنصل اليوم إلى أن الشركة يمكن أن يتم تأسيسها خلال 24 ساعة داخل هيئة الاستثمار، وهذا على عكس شركات الأشخاص التي لم يطلها تعديل تشريعي منذ قانون التجارة الصادر عام 1883 والذي عاله الصدأ وتراكمت عليه الأتربة وعوامل التعرية فأصبح لا غنى عن استبداله بتشريع آخر يفى بحاجات المجتمع ويواجهه متطلبات الحاضر.

إعلان