إعلان

مغزى التدخل الصيني في معركة "إدلب" الوشيكة

مغزى التدخل الصيني في معركة "إدلب" الوشيكة

محمد جمعة
09:00 م الأربعاء 08 أغسطس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

مثيرة هى بالتأكيد تلك التصريحات التي أدلى بها، مؤخرًا، السفير الصيني في سوريا، وكذلك ملحقها العسكري هناك، حول إمكانية القيام بعمليات عسكرية صينية في سوريا إلي جانب الحكومة السورية. ذلك بأن الطريقة التي تتفاعل بها الصين (دولة تزداد قوة يوما بعد يوم وفي خضم منافسة قوى عظمى مع الولايات المتحدة) مع بقية العالم سيكون لها آثار عالمية كبيرة. ومن ثم قد تكون سوريا بمثابة اختبار رئيسي لاستعداد الصين للتدخل على نطاق عالمي بطريقة مباشرة أكثر في إطار سعيها خلف مصالحها. فقد نُسب للسفير الصيني تشي كيانجين، قوله بأن " الجيش الصيني مستعد للمشاركة بشكل أو بآخر إلى جانب الجيش السوري الذي يحارب الإرهابيين، في إدلب وفي أي مكان آخر في سوريا". بينما قال الملحق العسكري "وونج روي تشانج" إن الجيش الصيني يمكن أن يشارك في عملية استعادة السيطرة على إدلب التي يسيطر عليها المتمردون إذا اتخذت بكين القرار السياسي في هذا الشأن. صحيح أن هذه التصريحات ليست دليلا على أن الصين على وشك إرسال قوات عسكرية للمشاركة في العمليات القتالية في سوريا. لكنها مع ذلك تمثل أكثر الإشارات صراحة حول هذا الاحتمال.

الصين عودتنا، طيلة نصف القرن الماضي، على النأي بالنفس والابتعاد عن الصراعات في منطقة الشرق الأوسط ... وباستثناء العمليات في إطار مهام الأمم المتحدة لحفظ السلام، تجنبت بكين (إلى حد كبير) العمليات العسكرية خارج حدودها أو إقليمها المباشر. ولهذا قد تفتح عملية عسكرية في سوريا الباب أمام المزيد من مثل هذه المشاركات الصينية في جميع أنحاء العالم.

بالتأكيد حكومة الصِّين لديها مخاوفها المتعلقة بالخطر المحتمل لعناصر "حزب تركستان الإسلامي" من مناطق "الإيجور" في جَنوبِها الغربيّ، الذين يعملون في إدلب بين صفوف "هيئة تحرير الشام" أو "جبهة النصرة" سابقا.... فبالنظر للخبرة القتالية المكثفة للفرع السوري من "حزب تركستان الإسلامي" وقدراته الكبيرة، فإن بكين مهتمة بالقضاء عليهم قبل أن يعود بعضهم إلى آسيا الوسطي أو حتى إلى الصين، مُعبّأين بأيديولوجيتيّ تنظيميّ "داعش" و "القاعدة"، والانخراط في أعمالٍ عنف هناك، على غِرار ما حَدث في سوريا طيلة السنوات الماضِية، خاصَّةً أنّ التَّنظيمين المَذكورين يَتَّهِمان حكومة بكين باضِّطهاد الأقليّة المُسلِمة، ويَجِد هذا الطَّرح قُبولاً في بَعضِ أوساط الشباب هناك. لهذا السبب تفكر الصين في مشاركة أنشط في معركة "استعادة إدلب" الوشيكة.

معلوم أن 70% من المسلمين في العالم ينتمون إلى قارة آسيا ويشكل هؤلاء ربع القارة التي تمثل بدورها ثلثي سكان الكرة الأرضية بأسرها. كما أن أكثر من الـ80% من المسلمين الشيعة في العالم هم آسيويون.

بهذا المعنى، فإن زيادة التطرف وعلو أصوات دعاوي الاستقطاب بين السنة والشيعة في منطقتنا، قد يتردد صداها في كثير من دول آسيا، وتحديدًا جنوبها الشرقي، فضلاً عن آسيا الوسطي والقوقاز حيث الكثافة الإسلامية العالية.

تاريخيًا كان لحركات الإسلام السياسي طريق ذو اتجاه واحد بين منطقة الشرق الأوسط وعموم القارة، من الأولى إلى الثانية، باستثناء حالات قليلة جدا مثل حالة أبوالأعلى المودودي (وبدرجة أقل أبوالحسن الندوي) في شبه القارة الهندية.... أما اليوم فإن تواجد نحو 3600 عنصر تقريبًا من مناطق آسيا (غير العربية) على مسرح عمليات الشرق الأوسط، خلال السنوات الثلاث الماضية، يشير إلى أن الطريق أصبح ذا اتجاهين، حيث تدفق " آلاف المجاهدين" من آسيا إلى المنطقة، مثلما تدفق من قبل آلاف" المجاهدين العرب" إلي أفغانستان وبعدها حربا الشيشان الأولى والثانية. بل إن الكثير من "مقاتلي الإيجور" جاءوا بأسرهم إلي سوريا، وكانوا الأكثر حماسة لتقدم صفوف الانتحاريين و"الانغماسيين". ولهذا لم يكن مستغربا هذا الانخراط الروسي العسكري المباشر في سوريا منذ سبتمبر2015. وها هى الصين، فيما يبدو تتهيأ لممارسة الشيء ذاته، مع فارق هام يتمثل في أن الصين (إن شاركت) في معركة إدلب الوشيكة، ستظل مشاركتها منخفضة في مستواها إلى حد كبير. وستركز على تصفية عناصر "حزب تركستان الإسلامي" وقادتهم في إدلب. ولهذا، فإن نشر القوات الصينية على الأرجح سيشمل في المقام الأول المستشارين العسكريين وأفراد الاستخبارات وربما بعض قوات العمليات الخاصة للقيام بمهام محددة ومباشرة. مثل وحدة "سنوب ليوبارد" كوماندوز، التي تتمتع بخبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب.

في كل الأحوال، حتى مثل هذا الانخراط العسكري المنخفض المستوي من جانب الصين سيمثل خروجاً ملحوظاً على خط الاستراتيجية الصينية الشاملة، وسيشير إلي نهج جديد من جانب بكين لانخراطها في الشرق الأوسط، وربما مناطق أخرى من العالم.

إعلان