من خرج من داره قلّ مقداره

09:01 م الإثنين 30 يوليه 2018

"إذا كان الوطن يساعد الإنسان على أن يكون نفسه، فإن اللاجئين لا يشبهون أنفسهم. يعيش اللاجئون أزمنة جديدة، ويستقرون في أمكنة جديدة، ويتكيّفون مع أمزجة جديدة. يعيد الزمان والمكان والمزاج تكوين اللاجئين. ليس اللاجئون ما كانوا في أوطانهم؛ إنما ما تحولوا إليه". هكذا تحدث الكاتب والروائي السعودي علي الشدوي في روايته طيور إفريقيا، موضحًا علاقة الإنسان بوطنه، وكيف تؤدي به حياته المستقرة فيه، لأن يكون نفسه، ويحيا في توازن وجداني ووجودي، يفقدهما بمجرد اضطراره للهروب من وطنه بسبب الحرب أو الفقر، ليتحول إلى لاجئ في بلاد الله، بلا دار أو أرض أو وطن، ويبدأ في اكتساب هوية جديدة مغايرة لما كان عليه قبل هروبه وهجرته من بلاده.

إعلان

وفي حقيقة الأمر فإن تجربة اللجوء هي تجربة وجودية قاسية، لا يمكن أن يصفها بدقة إلا الذي عاشها، وعرف عذاباتها وويلاتها، وسوف تظل بالنسبة لي مثيرة للتأمل، والمقارنة بين حال الأشقاء العرب الذين تحولوا للاجئين بسبب الحروب الأهلية، وحالنا نحن المصريين.

فمنذ فجر التاريخ المصري القديم إلى اليوم لم يعرف المصريون تجربة الهجرة الجماعية عن أرضهم بسبب الغزو أو الحرب أو الاحتلال الاستيطاني، وتحولهم بالضرورة إلى لاجئين في بلاد غيرهم، كما حدث مع الفلسطينيين والعراقيين والسوريين والليبيين واليمنيين.

وبالإضافة إلى هذا التفسير الوجداني، فإن مصر عبر تاريخها القديم والحديث، لم تعرف تجربة الحرب الأهلية التي تقوم بين أبناء الوطن الواحد، والتي تدفع بالإنسان إلى جعل حماية أسرته، وبخاصة زوجته وأطفاله أولوية قصوى، تتجاوز في أهميتها حماية المجتمع والبلد، وبالتالي تدفعه للهرب من حرب الأشقاء التي لا ناقة له فيها ولا جمل، والكل فيها خاسر.

غير أن هذا لا يمنع من القول، إن المصريين في فترات كثيرة من تاريخهم، كانوا لاجئين داخل بلادهم، بسبب احتكار المستعمرين لأرض وخيرات البلاد وفساد الحكام، وصعوبة الحياة، وهذا في ظني لجوء أخف في وطأته من الخروج اضطرارًا من الديار، واللجوء المهين في بلاد الناس، الذي يؤدي إلى تصدع الذات والهوية الشخصية والوطنية؛ وهو لجوء كان المصريون يحمدون الله دائمًا عليه رغم صعوبة الحياة، وهم يرددون المثل المصري الشهير: من خرج من داره قلّ مقداره.

إعلان