إعلان

"لوفتهانزا".. حمولة زائدة وحقائب متروكة بمطار المغادرة وعدم احترام الركاب

أمل الجمل

"لوفتهانزا".. حمولة زائدة وحقائب متروكة بمطار المغادرة وعدم احترام الركاب

د. أمل الجمل
09:00 م الخميس 12 يوليه 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

نعيش في عالم قبيح، ليس فقط بسبب العلاقات المفككة المنهارة - أو المتقاتلة - بين أغلب البشر، ولكن أيضاً لأنه قائم على البيزنس الذي لا يحترم الإنسان - خصوصا أصحاب الإمكانيات المحدودة - ويستعد أصحاب رأس المال فيه أن يفعلوا أي شيء من أجل مكسب إضافي، من أجل حفنة يوروهات أو دولارات، وليذهب المتضرر إلى الجحيم.

هكذا توالت خواطر الغضب عندما ظللت لمدة ساعتين متواليتين، ولاحقا بين كل حين أحاول مراراً وتكراراً - من دون كلل، وبإصرار عنيد - أكرر طلب ثلاثة أرقام هاتفية - اثنان بمحمول والثالث بخط أرضي - خاصة بالحقائب المفقودة التابعة لشركة طيران لوفتهانزا بمطار القاهرة. قبلها بليلة واحدة عندما طلبتهم أجابتني إحدى الموظفات وأخبرتني أن الحقيبة من المفترض وصولها على شركة مصر للطيران لكنها غير متأكدة، إذ لم يصلها أي ورقة تفيد بدخولها المخازن الخاصة بحقائب لوفتهانزا.

وطلبت مني أن أعيد الاتصال صباحاً. وعندما نفذت نصيحتها صباحاً اكتشفت أن الأرقام الهاتفية لا ترد، فاثنان من تلك الأرقام كأن بهما عطلا، فأحدها يُعطي رنينا كأنه لا يعمل، والثاني مشغول على الدوام، والثالث إما مشغول وإما يعطي رنينا، ولا أحد يرد عليه، وفي بعض الأحيان حينما أسمع رنينه فجأة يتم رفض مكالمتي وعمل كانسيل للمكالمة، رغم أني كنت أتصل في أوقات العمل الرسمية المدونة على الورقة التي أعطونا إياها بالمطار وعليها رقم المحضر ومعلومات إرشادية تبدو لي الآن عديمة الجدوى، ومنغصة للإنسان.

الأمريكان أفضل

ليست المرة الأولى التي أفقد فيها حقيبتي أثناء السفر، فأكتشف أنها لم تصل على متن نفس الرحلة. منذ شهر ونصف الشهر تكرر الأمر معي وفقدتها في مطار نيويورك، علمت بالأمر في مطار بوسطن، قمت بإجراء محضر، سجل فيه الموظف المختص كافة بياناتي وسبل التواصل معي، وقبل أن أخرج من المطار وصلني بريد إلكتروني يعتذر لي عما حدث وعن الضرر النفسي، وأي ضرر مادي قد لحق بي جراء ذلك، وطوال اليوم التالي - إضافة إلى بريد إلكتروني جديد يعيد تقديم الاعتذار - كان هناك رابط على الإنترنت يمكنني من خلاله تتبع مصير الحقيبة، وهل تم الوصول إليها من عدمه، وكان الهاتف الذي أعطوني إياه يرد ويجيب عن تساؤلاتي من المرة الأولى. ومع نهاية ذلك اليوم جاءني تليفون وبريد إلكتروني بالعثور على الحقيبة وكيفية استلامها، مع تكرار الاعتذار.

منذ ثلاثة أيام، وتحديداً يوم الثلاثاء الموافق ١٠ يوليو كنت عائدة من رحلتي التي بدأتها من كارلسباد، حيث كنت أحضر مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي الثالث والخمسين، قضيت هناك عشرة أيام ممتعة، كنت أتنقل بين صالات العرض، وعندما أخرج منها تحتضنني مناظر الطبيعة الخلابة على مدرجاتها ومرتفعاتها البهية، بخضرتها الكثيفة، وألوانها المبهجة، وهوائها النقي، ومياه آبارها الصحية الموصوفة للتداوي. ومع ذلك كانت رحلة العودة شاقة، ليس فقط لأنني تركت ذلك الجمال الذي يصعب على النفس مفارقته، ولكن أيضاً لأن الرحلة استلزمت أن أمر بأربع محطات ترانزيت لظروف خاصة بي وبالحجز الذي أجريته بحثا عن أرخص الأسعار، خصوصا أننا في موسم الصيف، حيث أسعار التذاكر مرتفعة بشكل جنوني. كان لزاماً علي أن أستلم الحقيبة في منتصف الرحلة وأُعيد شحنها في ترمينال آخر بالمطار.

بعيدا عن الأرقام الوهمية

في الرحلة الأخيرة وأنا في مطار ميونخ استعدادا للعودة إلى القاهرة كان هناك نداء من شركة لوفتهانزا التي أسافر على متنها بأن هناك حمولة كبيرة وزائدة على متن الطائرة، وأنهم يرغبون في أن يتطوع أحد الركاب بأن يُؤجل سفره إلى الرحلة التالية، وذلك مقابل مبلغ مالي مُغرٍ، هكذا كان نص النداء.

المهم تطوع أحدهم، وتم إنجاز المهمة، ورغم ذلك فقد تأخر إقلاع الطائرة، وعلى متنها كان هناك تأخر آخر، فعلى مدار نحو نصف ساعة هناك جدل ونقاشات بأصوات مرتفعة وحركة تباديل وتوافيق من المضيفات وعدد من الركاب نتيجة إلحاح بعض الأسر- كبيرة العدد جدا - في لم شمل العائلة في كراسيّ مجاورة.

شخصياً لست ضد لم شمل العائلة، ولست ضد سفر عائلة كبيرة العدد، ولكن المنطق والعدل والحق يقول إن تلك النقاشات ومثل هذه المسائل إن لم يكن ذلك متاحاً حلها أثناء التشيك إن، فالركاب الآخرون من حقهم عدم إزعاجهم بمثل تلك التفاصيل أو بغيرها من الرغبات غير المدونة في قانون الطيران، ففيه ناس مريضة، وأخرون بحاجة للراحة والخلود للنوم خصوصا أن الساعة كانت قد تجاوزت العاشرة مساءً، ولا ننسى أن هناك مجموعة ثالثة قد تكون تحت ضغط عمل لابد من إنجازه علي متن الطائرة، فالطائرات بالنسبة لبعض الناس هي مقر شبه دائم، ولذا تعودوا أن يعملوا عليها كأنهم في بيوتهم وعلى مكاتبهم.

التطوع بأجر..! والجشع

الأمر الآخر الذي لم أفهمه- وحاول بعض الأصدقاء من كثيري الترحال تفسيره- هو من أين جاءت الحمولة الزائدة؟

ولماذا كان هناك نداء بتطوع أحد الركاب بتأجيل سفره؟

فهل تأجيل سفر شخص يعني أن هناك شخصا آخر لديه استعداد أن يدفع أكثر في مقابل السفر على وجه السرعة؟!

وسؤالي هو: هل المسافر الجديد سيكون على درجة رجال الأعمال أو الدرجة الأولى، أي أن الدخل المادي منه سيكون أضعافا مضاعفة من الدرجة السياحية التي غالباً سيكون المتطوع بتأجيل سفره منها؟

كان رد الصديق الخبير أن عددا من الركاب قاموا بالحجز، ولا تظهر نتيجة هذا الحجز إلا متأخرًا- لا أدري الحقيقة كيف يحدث ذلك في ظل حركة الكمبيوتر الفائقة السرعة- لكن ما أميل لترجيحه أن شركات الطيران تعتمد على أن هناك في الأغلب أناسا تفوتهم رحلاتهم لأسباب متباينة، سواء التأخر في الترانزيت أو عدم الحضور لأسباب تخص الركاب أنفسهم، وهنا رغبة الشركة في جني مزيد من الأرباح يجعلها تكون أحياناً قد حجزت ١٠٥٪ - خصوصا في مواسم الازدحام - وهي تكون على بينة من ذلك بفترة مبكرة- لأني شخصياً من قبل موعد الرحلة بثماني ساعات وأنا أعمل تشيك إن على الإنترنت وصلتني رسالة مفادها أن الرحلة بها حمولة زائدة ويطالبونني بالتطوع بتأجيل رحلتي.

إذن الشركة تعلم بالحمولة الزائدة بفترة مبكرة جدا، لكنها تنتظر حتى اللحظات الأخير قبل الصعود إلى الطائرة، فإن اكتمل العدد وجاء جميع الركاب هنا تطالب بعض الركاب بالتنازل متطوعاً، ويأخذ الرحلة التالية، وإن رفض الجميع ذلك هنا تُجري القرعة على أحدهم ويتم اختياره عنوة وإجباره على تأجيل رحلته.

وقد حدث ذلك ذات يوم في أحد مطارات أمريكا وتم تصوير فيديو عنه يشيب له الولدان والمضيف يجر أحد الركاب لإخراجه عنوة من الطائرة. وبالطبع لا ننسى أيضاً حكاية الويتنج ليست التي تنهض على استغلال أماكن من لم يلحقوا برحلتهم، أو من تأخروا عنها وأُغلقت أبوابها في وجوههم.

موضوع الحمولة الزائدة ليس له تفسير عندي سوى أن هناك ركابا لديهم حقائب تزيد على عدد الحقائب المسموح به، لكنهم أيضاً دفعوا أجرا مقابل أن تنقل لهم شركة الطيران الحقائب على متن نفس الرحلة. وهذا بدوره الذي نجم عنه- مع حضور كل الركاب- أن حمولة الطائرة أصبحت زائدة وجعل شركة لوفتهانزا تتخذ قراراً - منفرداً - بأن تترك كثيرا من حقائب الركاب في مطار ميونخ لتخفيف الوزن، فللطائرة في نهاية المطاف وزن محدد يجب ألا تتجاوزه حتى تحلق في الجو، لكن المؤسف أنه أي جانب خطأ الشركة، فإن اتخذت قراراها من دون أن تخبر أيا من هؤلاء الركاب، أو من دون أن تسألهم - كما سبق أن فعلت مع الراكب المتطوع بأجر - ووضعتهم أمام سياسة الأمر الواقع، فهل من حق لوفتهانزا تلك الشركة العريقة في مجالها أن تفعل ذلك؟ وهل تصرفها جاء بشكل مدروس أم عشوائي؟

مبدئياً، هناك ناس وصلتهم حقائبهم كاملة، وناس آخرون لم تصل أي من حقائبهم - مثلي مثلاً - ونوع ثالث وصلتهم بعض الحقائب ولم تصلهم واحدة أو اثنتان. والسؤال هنا: على أي أساس تم فعل ذلك وانتقاء الحقائب التي تم تركها في مطار ميونخ أو تلك التي وصلت على متن الرحلة؟ لماذا لم يتم حجب الحقائب الزائدة وتأجيل نقلها؟! صحيح أنها مدفوعة الأجر أيضاً، لكنها لا تحصل على حق الأولية، لأن الأولوية هنا المفروض والمنطق والحق يقول إنها للراكب الذي التزم بعدد الحقائب، سواء له أو لأفراد عائلته؟

سؤال آخر: هل ركاب درجة رجال الأعمال، وركاب الدرجة الأولى تم تأجيل نقل حقائبهم؟! وهل تم التعامل معهم، كما تم التعامل مع ركاب الدرجة السياحية؟!

في مطار القاهرة، كتب وملابس بالشوكولاته

وصلنا مطار القاهرة متأخرين عن الموعد المحدد بالطبع، لكن المشكلة ليست في ذلك التأخير لأنه أمر وارد أن يحدث مع جميع شركات الطيران، وإنما المشكلة تكمن في الطابور الممتد لعدد كبير من الركاب الذين اكتشفوا عدم وصول حقائبهم، وكان لزاماً عليهم الاصطفاف أمام موظف قابع أمام شاشة الكمبيوتر لتسجيل محاضرهم من الثانية صباحاً وحتى الثالثة والنصف لتدوين بياناتهم وألوان حقائبهم، والحصول على رقم يمكن من خلاله الوصول للحقائب المفقودة.

في هذا الطابور وقفت لمدة ساعة ونصف الساعة إلى أن حان دوري. صحيح هناك موظف آخر عرض أن يقوم بتسجيل المحضر كتابياً، لكني خشيت الموافقة مثل غيري، لأنه في تلك الحالة لن نحصل علي رقم المحضر الذي يمكن من خلاله تتبع الحقيبة، وأيضاً لن يمكننا إثبات فقدان الحقيبة إن لم تصل، وذلك رغم أن الموظف أكد أنه سوف يتصل بنا لإعطائنا رقم التتبع والمحضر، لكني شخصياً لا أثق بشيء من هذا بداخل أرض الكنانة، وما يُؤكد هذا أنني حتى انتهائي من كتابة هذا المقال ظللت أحاول الاتصال مرارا وتكراراً بالأرقام الثلاثة التي طبعوها علي ورقة تحمل لوجو الشركة الألمانية العريقة لوفتهانزا، لكن بكل أسف- ورغم أنني ظللت أتصل بها في الأوقات الرسمية المدونة عليها من التاسعة صباحاً وحتي الثانية مساءً، ولكنها أصرت على عدم الرد أو الاستجابة، وكأنها أرقام وهمية، فلماذا لا يحترم فريق عمل الطيران الألماني - التابع لشركة لوفتهانزا - الركاب على متن طائراتهم، ولماذا لا يتعاملون معهم بطريقة أفضل من هذا؟!

لست وحدي المتضررة. مؤكد كثيرون أصابهم الضرر النفسي وتوتر الأعصاب، وارتفاع ضغط الدم نتيجة محاولات الاتصال من دون جدوى، هذا من دون أن ننسى ضرراً نفسياً إضافيا لركاب آخرين جاءوا من بلدان بعيدة- أمريكية أو أوروبية- لحضور مناسبات عائلية مهمة سافروا من أجلها خصيصاً، وأحضروا معهم ملابس لتلك المناسبات، والهدايا، والأشياء الخاصة بهم تقبع بتلك الحقائب، وهناك أناس اشتروا شوكولاتات كهدايا بسيطة ومفرحة لأفراد العائلة والأصدقاء، ووضعوها في الحقائب بين الملابس حتى لا يتم تكسيرها، وهناك ركاب وضعوا كتبهم وأوراقهم الخاصة بالعمل والدراسة ودراسات الجدوى، والأوراق البحثية التي سيُناقشونها في مؤتمراتهم بين الملابس، فمن إذن سيتحمل عواقب ذلك كله؟

خصوصاً إذا تخيلنا أننا في ظل تلك الموجة من الحر الشديد - وعدم التوقع أبداً بمثل ذلك- وترك الحقائب في مخازن مرتفعة الحرارة، من المتوقع أن تغرق الملابس والكتب والأوراق البحثية في شوربة الشوكولاته.

فهل لوفتهانزا ستتحمل الأضرار النفسية والخسائر المادية التي تنجم عن كل ذلك، وإفساد ملابس يصعب تنظيفها، خصوصا أنه لا يوجد قانون يُجرم حمل الشوكولاته والكتب في حقيبة الملابس؟!

أعرف أن شركة لوفتهانزا ليست هي التي تقدم تلك الخدمة عن تولي أمر الحقائب المفقودة بمطار القاهرة، وأنها تكلف شركة خاصة بأجر للقيام بهذه المهمة. لكن هذه ليست مشكلتي ولا مشكلة أي من الركاب. وهذه الشركة الخاصة المؤجرة ليست مسؤولة أمامنا. المسؤولية بأكملها عن تلك الخدمة السيئة، بل شديدة السوء، تقع على كاهل شركة طيران لوفتهانزا، وهي المسؤولة عن عدم تطوير الخدمة ومستواها المتردي، وعليها أن تقوم بإلغاء التعامل مع تلك الشركة الخاصة التي تقدم خدمة بشعة، واستبدال أخرى بها؛ تحترم الناس والركاب، وترد على الهواتف المعلنة.

إعلان