إعلان

رسائل الأصوات الباطلة السرية في الانتخابات الرئاسية

رسائل الأصوات الباطلة السرية في الانتخابات الرئاسية

أكـرم ألـفي
09:13 م الأربعاء 04 أبريل 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

١.٧٦٦ مليون صوت هي عدد الأصوات الباطلة في انتخابات الرئاسة المصرية ٢٠١٨، بنسبة تتجاوز الـ٧.٢٪ من إجمالي الأصوات، لتسجل هذه الانتخابات الاستثنائية أكبر عدد من الأصوات الباطلة في تاريخ الانتخابات الرئاسية المصرية.

هــذه الأصوات الباطلة تمثل إبداعًا مصريًا فريدًا في هذه الانتخابات، فلأول مرة في تاريخ الانتخابات في العالم- حسب علمي– يمارس ناخبون حق إبطال الصوت الانتخابي دون دعوة من معارضة أو قوى مجتمعية لإبطال الأصوات بشكل جماعي، ما يجعلنا أمام ظاهرة فريدة يجب أن يقف الجميع أمامها، سواء أكان النظام الحاكم أم المعارضة المدنية.

إن مفاجأة الأصوات الباطلة دفعت صحفًا ومواقعَ تروج أن الأصوات الباطلة كانت تعبيرًا عن رغبة الناخبين في كتابة كلمات تأييد للرئيس السيسي، فيما ذهبت صحف بعضها أجنبي للحديث عن التصويت للاعب المصري الأشهر محمد صلاح. في المقابل لم تناقش المعارضة المدنية على قاعدة أنها ترفض هذه الانتخابات، وأنها يشوبها تزوير، وبالتالي نتائجها لا يعتد بها.

رسالة الخطأ في التصويت أو تيار محمد صلاح تمثل استخفافًا بأكثر من ١.٧ مليون ناخب، فيما تجاهلها من قبل المعارضة كان بمثابة رفض لطرق الاحتجاج الجماعية المبتكرة التي لا تخضع لتوجيهاتها..

في خضم الحوار العبثي بين مواقع مؤيدة وكتابات المعارضين سيطرت على كاتب المقال جملة الأديب الألماني جوته: "النظرية، رمادية اللون يا صديقي، لكن شجرة الحياة خضراء إلى الأبد".. فما حدث في انتخابات الرئاسة حمل ظواهر فريدة من ضمنها بل في مقدمتها إبداع الأصوات الباطلة التي حملت رسالة من الطبقة الوسطى للنظام والمعارضة معاً لمن يريد أن يسمع ويفهم.

فمن يصدق أن مليونًا و٧٠٠ ألف شخص اتفقوا دون اتفاق على إبطال أصواتهم دون أن يجمعهم حزب أو تنظيم، أو حتى دعوة بالإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي. إن هذا الاتفاق السري بين حشد ضخم يثبت أن وعي ثورتي ٢٥ يناير و٣٠ يونيو مازال حاضراً، وأن الإبداع الجماعي، في سياق الحفاظ على مكاسب الاستقرار والأمن والتنمية، لم يغب عن كتلة كبيرة من المصريين.

لن أخوض في مبارزة رقمية– ليس مكانها هنا– لتفصيل دلالات الأصوات الباطلة، ولكن الأرقام تقول بوضوح إن محافظة بورسعيد تصدرت الأصوات الباطلة بأكثر من ١٥٪ من إجمالي الأصوات، وتلتها مباشرة السويس بنحو ١٤٪ ثم البحر الأحمر وشمال وجنوب سيناء لتظهر القاهرة والإسكندرية بأكثر من ٩٪ من الأصوات الباطلة.

هنا نحن نتحدث عن مدينة بورسعيد التي حملت دائماً الرسائل السياسية للنظم المتعاقبة مبكراً عن الجميع، وبالتالي فإن الرسالة تصبح هنا ذات دلالة مهمة، فهي المحافظة الأغنى في مصر، وعندما تجمع بورسعيد والسويس والقاهرة والإسكندرية معاً فإنك ترسم لوحة ثورتي ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.

بالمنهج العلمي يبدو التفسير المنطقي للأصوات الباطلة هو أنها كلما ارتفع معدل التعليم والثروة وزاد حجم الطبقة الوسطى في المدن، زادت نسبة الأصوات الباطلة من إجمالي الأصوات. وبجانبها كلما زادت نسبة الأصوات بهذه المناطق في اليوم الثالث من التصويت، ارتفعت النسبة أيضاً، بينما تتراجع النسبة في ريف الوجه البحري الذي مازال قابضاً على جمرة التأييد المطلق للرئيس السيسي، وكذلك ريف الوجه القبلي. وكنموذج واضح لهذا الأمر لجنة صغيرة هي المنيا الجديدة التي تصدرت الأصوات الباطلة بنسبة بلغت أكثر من ١٩٪، وهي الحي الذي تقطنه الطبقة الوسطى المتعلمة، ويعمل أغلب سكانه في وظائف ثابتة حكومية أو بالقطاع الخاص.

إن الأرقام في ذاتها تنفي فرضية الخطأ في التصويت الذي يروج له البعض لأنه لو كان هذا صحيحاً لارتفعت نسبة الأصوات الباطلة في الريف عن المدينة، واختفت في الأحياء الغنية، فيما أفرزته الصناديق، يقول إن الأحياء الغنية مثل العجوزة ومصر الجديدة و٦ أكتوبر ارتفعت بها الأصوات الباطلة لأكثر من ٨٪.

ما هي الرسائل التي بعثها مليون و٧٠٠ ألف ناخب للجميع..

أولى هذه الرسائل من وجهة نظري هي إبلاغ النظام بالرغبة في مزيد من انفتاح المجال العام وبشكل أبسط كانت الرسالة هي "المزيد من السياسة والحريات". فناخب هذه المناطق بالطبع تضرر من السياسات الاقتصادية، ولكنه لم يتضرر أكثر من سكان الريف والمناطق الأفقر. والكتل القاطنة في هذه المحافظات أو الأحياء مازالت تعتبر أن السياسة والحريات ضمن أولوياتها إلى جانب الأمن ومستوى المعيشة. ومن هنا أهمية هذه الرسالة لأنها تجيء من الكتل الأكثر تعليماً وثقافة والأكثر تأييداً لثورة ٣٠ يونيو، بل يمكن اعتبارها حاملة الجسر بين ثورتي ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.

الرسالة الثانية المهمة، وهي رفض هذه المجموعات قيام البعض في محاولة للتقرب من النظام الحالي بالضغط من أجل المشاركة فكانت الرسالة هي التصويت بالإبطال.

الرسالة الثالثة للمعارضة المدنية التي تجنبت خوض الانتخابات أو الدفع بدعوات للإبطال بل انتقلت للجبهة الأخرى بدعوى للمقاطعة لم تؤت ثمارها في ظل عدم إدراك النخبة المعارضة أن أغلب المصريين يرفضون اليوم استعادة سيناريو عدم الاستقرار، فكانت الرسالة من ٧٪ من الناخبين لن أقاطع كما تدعو المعارضة ولن أؤيد الرئيس وسنبعث بالرسالة بطريقة مغايرة.

"إن شجرة الحياة خضراء للأبد" هكذا يجب أن تعلمنا انتخابات ٢٠١٨ ويعلمنا المصريون.

خاتمة

جلست إلى جوار سائق تاكسي، فذهب ينتقد النظام وفي وسط الجدل لفت نظري الحبر الفسفوري بإصبعه، فقلت له ولكنك ذهبت للانتخابات، فأجابني "ذهبت لأقول له أنت رئيسنا ولكني أعارضك وأقول للمعارضة لن أتنازل عن حقي الذي أخذته في ثورة يناير، وأنا اللي شيلت الإخوان ومش هتنازل عن حق".. هنا استعدت جملة "يا صديقي شجرة الحياة خضراء".. وغادرت المقهى وأنا أتساءل هل وصلت الرسالة؟ ووصلت المنزل ليقول آسر الذي لم يتجاوز الأعوام التاسعة أنت مشغول بالانتخابات ليه يا بابا؟ إحنا كلنا في المدرسة عارفين أن الرئيس السيسي هيكسب ومش عايزين لخبطة تاني رغم أنه مزعل شوية ناس.. وأنتقل للمكتب لأقلب في الأوراق "الرمادية" حول نسب المشاركة ونسب التأييد ونسب الإبطال في المحافظات واللجان العامة.

إعلان