إعلان

السينما العربية في تيسالونيك السينمائي تقتصر على "سوق أجورا"

السينما العربية في تيسالونيك السينمائي تقتصر على "سوق أجورا"

د. أمل الجمل
09:01 م الأحد 11 نوفمبر 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كان يُمكن القول إن للسينما العربية تواجدًا في "أفق مفتوح" أحد أهم الأقسام بمهرجان تيسالونيك التاسع والخمسين، من خلال فيلمين، لكن حسم ذلك الأمر سيتوقف على الطريقة التي نُحدد بها هوية الفيلم:

هل نعتبر جهة التمويل هي مَنْ يُنسب إليها الفيلم، أم هوية المخرج لها دور؟ وماذا إذن عن الهوية الثقافية للعمل؟

هنا، مثلاً، الفيلم الأول "تل أبيب على نار" مُسجل تحت اسم إسرائيل ولوكسمبورج وفرنسا وبلجيكا، رغم أن مخرجه سامح زغبي فلسطيني، وإن كان من عرب ٤٨، وأيضاً على الرغم من الهوية الثقافية الفلسطينية الواضحة للفيلم.

أما الفيلم الثاني، فقد شاركت لبنان في إنتاجه مع خمس دول أفريقية وأوروبية، بعنوان "رفيقي" من إخراج فانوري كايو، لكنه يكتسب هويته الثقافية من العادات والتقاليد في كينيا، حيث تدور الأحداث حول قضية العلاقات المثلية، خصوصا بين النساء، من خلال فتاتين في سن المراهقة، رغم الخصومة والتنافس السياسي بين والديهما، لكن الحب يجمع بينهما، إلى أن يفتضح أمرهما فينكل بهما المجتمع من دون رحمة، بما في ذلك أقرب الناس إليهما.

أفلام ضد المرأة

إذن، بشكل رسمي، يقتصر حضور السينما العربية بالمهرجان اليوناني على السوق المتمثلة في «أجورا إنداستري» Agora Industry والتي تُشكل إحدى مبادرات المهرجان.

حضور يمثله سبعة أفلام لا تخلو من الإشكاليات السابقة. فمثلاً فيلم «صوفيا» للمخرجة المغربية مريم بن مبارك، والذي تدور أحداثه في بلد المخرجة حول فتاة تتورط في حمل وإنجاب خارج الإطار الرسمي، مما يُوقعها وأسرتها في مشاكل قد تؤدي بها إلى السجن، لكننا نكتشف لاحقاً أن الفتاة مُخادعة، إذ تتهم شاباً بريئاً، من الطبقة الدنيا، وتُرغمه على الزواج بها، في حين تحمي مغتصبها الحقيقي، فيظل حراً طليقاً، لأنه في شراكة بيزنيس مع والدها. وشخصياً أعتبره فيلماً ضد المرأة، حتى وإن ارتدى قناعاً مزيفا يدعي الدفاع عن حقوق النساء في ظل قمع سلطة القانون والمجتمع.

الفيلم السابق رغم هوية مخرجته، وهوية أبطاله، فهو مُسجل تحت اسم فرنسا وقطر اللتين شاركتا في الإنتاج. ولا يقتصر وجود قطر على ذلك الفيلم، فقط، لكنها تُشارك في إنتاج ثلاثة أفلام أخرى ليست لها أي علاقة بالأمور أو القضايا العربية، وهى «الحمولة» - «لديك الليل» - «أصبح متأخرا أن تموت مبكرا». فالعملان الأولان ينتميان لسينما دول البلقان، ويتواجدان أيضاً ضمن قسم «نظرة على البلقان» إلى جانب عرضهما بالسوق، أما الفيلم الثالث فأرجنتيني برازيلي تشيلي مشترك.

صحيح أن الأفلام الثلاثة السابقة على مستوى فني لافت جدا، وتتميز بلغة سينمائية تحمل شخصيتها المتفردة، المستمدة من خصوصية كل موضوع بكل ما يحتويه من خراب العالم جراء الحرب، أو الآثار المجتمعية والنفسية المترتبة علي البطالة، لكن ذلك لا يمنعنا من التساؤل: لماذا تشارك دولة مثل قطر في إنتاج أفلام أوروبية تستطيع بسهولة الحصول على دعم من جهات متعددة؟!

لماذا لا تُوجه قطر هذا الدعم للسينما العربية وصناع السينما المستقلة الذين يعانون الأمرّين خصوصا في ظل إغلاق عدد من أهم صناديق الدعم العربية؟

هذا التساؤل يستدعي المقارنة مثلاً مع برنامج إنجاز وجميع أشكال الدعم الذي كان مهرجان دبي السينمائي يقدمه في أي من مراحل الإنتاج، إذ كان يشترط أن يكون المخرج عربي، أو من أصول عربية، ويتناول قضية عربية.

أما توجه قطر فيبدو متناقضاً وغير مفهوم، مثلما يشي بأن هناك دوافع أبعد من خدمة الفن السابع في الوطن العربي، فربما يقتصر الأمر على توظيف واستخدام السينما لخدمة اسم جهة الإنتاج وجعله يتردد في مهرجانات دولية من خلال أعمال سينمائية مضمونة النجاح، أما المخاطرة من خلال دعم سينمائيين عرب، فله حدود دُنيا.

عمرة والزواج الثاني

كذلك من الأفلام العربية المشاركة في «سوق أجورا»- بمهرجان تيسالونيك- الفيلم السعودي «عمرة والزواج الثاني» لمحمود صباغ في تجربته الروائية الثانية بعد «بركة يُقابل بركة» الذي كان مرشح المملكة للأوسكار عام ٢٠١٧.

يُواصل صباغ في تجربته الثانية- والتي سيعرضها مهرجان القاهرة السينمائي في قسم آفاق السينما العربية- اختيار قضية تتعلق بالحريات وحقوق المرأة ومشاكلها في المجتمع السعودي، لكنه يُركز على الضغوط التي تتعرض لها على أيدي بنات جنسها اللائي يَدعمن المجتمع البطريركي، ويُحافظن على بقائه واستقراره من خلال الموافقة على حق الرجل في الزواج الثاني، بل الدفاع عنه.

لا شك أن المخرج الذي كتب السيناريو بنفسه يتمتع بالجرأة خصوصا في انتقاده للشيوخ المستفيدين من وضعية النساء على تلك الشاكلة. مثلما لديه لمحات ذكية تكشف في لقطات سريعة كيف تتهاوى تلك الهيمنة الذكورية عندما تتراجع النساء عن دعمها، أو تكريسها.

لغة السينما المفقودة

في تجربته الأولى كانت الكوميديا واضحة عند محمود صباغ، أما هنا بفيلمه الثاني- الذي قام بتصويره كاملاً بالسعودية بين سبتمبر وأكتوبر ٢٠١٧- فرغم محاولاته لخلق الكوميديا، لكنها لم تُكلل بالنجاح. أما أهم ما يغيب عن العملين فهو اللغة السينمائية، إذ يصطبغ كل منهما «عمرة والزواج الثاني»، «بركة يقابل بركة» بكل ملامح الدراما التليفزيونية، أساسا، لأن المخرج لا يمنح المَشَاهد فرصة التنفس بشكل طبيعي صادق، فالحوارات أشبه بحركة كرة «البنج بونج» كأن الممثلات يُسَمِعَّن الحوار المكتوب. من دون أن نغفل الأصوات العالية سواء في الأفكار المباشرة التي تُعبر عن أفكار المخرج أكثر مما تعبر عن شخصيات العمل، أو من خلال أداء بعض الشخصيات التي تنتمي للمسرح أكثر من السينما، والنمطية في رسم الشخصيات، حتى إن بعضها بدا كاريكاتوريًا مثل شخصية الحماة الشريرة، والعروس السورية، وبعض النساء المسيطرات على السوق. كذلك، تم توظيف الموسيقي بشكل مبالغ فيه، إذ وضعها في أماكن عديدة لا تحتاج إليها.

دول عربية أخرى

إن كان فيلم «صوفيا» لم يحمل هوية المخرجة ولا بطلتها، مع ذلك يتواجد اسم المغرب في السوق، من خلال فيلم شديد العذوبة بعنوان «تازيكا». فيلم بسيط في حكايته، لكنه مؤثر عن شاب مراهق يعشق الطهي الذي تعلمه من جدته، ولديه شغف في ابتكار وَصَفَاتٍ، مذاقها رائع، إلى أن يُراوده حلم الهجرة إلى فرنسا، فهل تتركه الجدة التي سيقتلها الخوف من أن تتكرر مأساة أخيه الذي راح ضحية الحراقة قبل سنوات؟!

بقي أن نشير إلى أن الجزائر تتواجد بالسوق أيضاً، من خلال فيلم «لِيلِي من خلال السحب» الذي لا يحمل أي هوية جزائرية، لا من ناحية الإخراج ولا الأحداث، مثلما يتكرر الأمر مع العراق التي شاركت في إنتاج فيلم «الحمولة» مع قطر وبعض دول أوروبية أخرى.

أما الهوية العراقية، فيجسدها فقط فيلم قصير عن حلم العزف عند أطفال يجمعون الزبالة بعنوان «أغلق عينيك جيداً» للمخرج علي البيات.

إعلان