إعلان

أزمة قطر.. إلى أين تتجه؟

أزمة قطر.. إلى أين تتجه؟

محمد جمعة
09:26 م الثلاثاء 06 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تُوجت التوترات طويلة الأمد بين دول مجلس التعاون الخليجى وقطر، والتي ازدادت كثافة على امتداد الأسبوعين الماضيين، بتعليق عدد من الحكومات العربية علاقاتها مع قطر. فى يوم الأربعاء الماضى إستُقبل أمير قطر فى الكويت بهاشتاج جديد على تويتر بعنوان " لا مرحبا بخائن الخليج". هاشتاج "الخائن" ليس جديدا بالنظر إلى حجم الإدانات، بل والشتائم، الموجهة لحاكم الإمارة متناهية الصغر، من جانب دول عربية عديدة. 

وفى صباح أمس الاثين اتخذت الرياض وأبوظبى والمنامة (ومعهم القاهرة) قرارات بقطع العلاقات الدبلوماسية، وإغلاق كافة المنافذ البحرية والبرية، وخطوط الملاحة الجوية مع قطر.

الرسالة الوحيدة الكامنة وراء كل ذلك يمكن تلخيصها على النحو التالى: طفح الكيل ونفد الصبر، والعزم أكيد على المضى قدمًا حتى آخر الشوط، وإلى أبعد مدى ممكن فى الضغط على قطر ومحاصرتها، إن لم تنصاع لمقتضيات حسن الجوار وسلامة المصالح العربية والخليجية.

وبالتالى نحن الآن مع بداية الأزمة، ولسنا فى نهايتها، ومسارات تلك الأزمة ومآلاتها مرتهنة بعوامل عدة، لعل أهمها موقف واشنطن وتقديراتها الخاصة، تجاه علاقاتها المعقدة مع حلفاء يتصارعون فيما بينهم.

وفى هذا الإطار، من الأهمية بمكان الإشارة إلى عوامل ثلاثة، لم يحسن حكام قطر تقدير آثارها، وعواقب عدم الالتفات الى تداعياتها السلبية، وأفضت إلى الوضع الراهن. هذه العوامل هي:

1-تراجع مكانة قطر كـ" دولة وظيفيه". 

2- اتساع حجم التناقضات بين الدوحة من ناحية، ومعظم دول مجلس التعاون الخليجى من ناحية أخرى، إلى الدرجة التى أصبحت معها الأزمات أكثر سخونة، والتفاهمات أكثر هشاشة، وأقل قدرة على الصمود لبعض الوقت.

3- ورفع الغطاء – جزئيا - عن قطر فى لعبة دعم الإرهاب وتمويله.

* فالدور الوظيفى الذي لعبته الدوحة طيلة عقدين تقريبا، استنفد معظم أرصدته، وثمة شكوك الآن فى إمكانية الاستمرار فى لعبة "قطر الصديق ذو الوجهين" !! أحدهما، أنها حاضن لأهم القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط.

والآخر، أنها الداعم الرئيسي (سياسيا، ماليا، عسكريا، وإيديولوجيا) لبعض أخطر القوى الراديكالية، والأكثر إثارة للاضطراب قى الإقليم. 

الآن بعد مرور عقدين كاملين، لم تعد ممارسات الدوحة تنطلى على أحد، أو تقنع الصديق قبل العدو. ولهذا ثمة شكوك حول إذا ما كانت الدوحة ما يزال فى مقدورها الاستمرار كـ"قناة اتصال أمنية خلفية" بين الولايات المتحدة الأمريكية، وجماعات الاسلام السياسى الأكثر راديكالية. أو ما زال بإمكانها التفاوض– أحيانا باسم واشنطن- مع القاعدة، وطالبان، وحماس، والنصرة.... إلخ 

أيضا مشروع "الاسلام السياسى المعتدل" بحسب البعض، والذى كان أحد روافع الدور الوظيفى لقطر، استنفد أرصدته تقريبا، وفقد بريقه لدى الغرب، وكذلك لدى الرأى العام العربى، وممكنات تسويقه مرة أخرى لم تعد متوفرة.

من ناحية أخرى، الخليج العربي الآن يتغير (بالنظر إلى خبرة الإقليم مع إدارة أوباما، وكذلك حجم التهديدات الراهنة)، ومعه تتغير مناطق أو مرتكزات النفوذ الأمريكي. والمؤكد أن مسئولى الإدارة الأمريكية قد سمعوا بأمر التقديرات المتداولة الآن داخل دوائر صنع القرار فى الرياض، والتى ترى أن قرار السماح للقوات الأمريكية بالانسحاب من قاعدة الأمير سلطان الجوية في 2003 (والرحيل إلى قاعدة العديد) كان أحد أكبر الأخطاء. فضلا عن أن ثمة تحليلات أمريكية تشير إلى جهود سعودية إماراتية مشتركة لتوحيد الموارد، لضمان أن يكون لواشنطن خيارات بديلة للتمركز في الأقليم. 

* من ناحية ثانية، باتت قطر في مأزق حقيقي، جلبه عليها موقفها إزاء فصائل "الإسلام السياسي" وجماعات التطرف والإرهاب. 

فقطر التى تتحالف مع جماعة الإخوان وتدافع عنها تحت لافته الدفاع عن الديموقراطية، لم نرها يوما قد وجهت لوما لتلك الجماعة، جراء تقاعسها عن تطوير خطابها السياسي ومراجعة مرجعياتها الفكرية، وتأصيل قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان في مواقفها وممارساتها. ولم تستنكر الدوحة مواقف الجماعة الرمادية إزاء إرهاب داعش والقاعدة. ولم تدعوها للتخلي عن نظريات "السمع والطاعة" و"التمكين" و"التنظيم الخاص" و"دمج الدعوي بالسياسي" وغير ما هنالك من ممارسات ومواقف مثيرة للقلق، ليس قلق الأنظمة وفقط، وإنما أيضا قلق شركاء الوطن من تيارات ومكونات أخرى.

والحقيقة أن تضخم "الأنا القطرية"، تخطى حدود التعامل مع جماعة الإخوان، بوصفها الحليف في مشروع الدور الإقليمي، إلى جماعات أخرى أكثر راديكالية، ومن بينها تنظيمات مدرجة على قوائم الإرهاب في الأمم المتحدة... وما حكاية قطر مع مليشيات "انصار الشريعة" فى ليبيا، التى تورطت فى مقتل السفير الامريكى هناك عام 2012، إلا أحد فصول تلك الممارسات السوداء. 

*يبقى أن نشير إلى أن اللقاء الذى جرى في الخامس من يونيو في بغداد (ضم تركيا، إيران والعراق) بطلب من رئيس "تشخيص مصلحة النظام" في إيران، يسلط الضوء على احتمال أن تتوجه الدوحة نحو إيران وتركيا والعراق. صحيح أن أيا من هذه البلدان لا يمكنها أن تفي بالدعم الذي تمتعت به قطر من شبكة دول مجلس التعاون الخليجي لعقود، لكن هذا لا ينفى أن استعداد تلك العواصم لتعميق التعاون مع الدوحة، سيخفف من وطأة المقاطعة الخليجية لها.

والأكثر من ذلك أن مركز القيادة الأمريكية الذي ينسق المعركة ضد داعش، ما يزال فى قطر. ونسبة كبيرة من الغارات الجوية الأمريكية تنطلق حاليا من قاعدة العديد. والبنتاجون أعلن أنه لا يخطط لتعديل وضعه فى الوقت الراهن، الأمر الذي سيمنح الدوحة تطمينا مباشرا ببقاء داعمتها الرئيسية على حالها، ويطيل أمد قدرة قطر على المراوغة. 

باختصار، لا يمكن التقليل من أهمية ما تحقق حتى الآن من نتائج على صعيد مواجهة قطر، بالنظر إلى نشاطها الداعم للتطرف والإرهاب. لكن ما يزال من المبكر القول بأن المعركة معها وصلت اليوم إلى محطتها النهائية. 

والمؤكد، فى كل الأحوال، أن استمرار الدوحة فى سياساتها المعهودة، دفعت بالرياض وأبوظبى، إلى مواجهتها وفق قاعدة: "عدو واضح أفضل من نصف صديق"، وإن شئنا الدقة، لقلنا: "عدو واضح أفضل من عميل مزدوج".

* خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

إعلان