إعلان

هل نحن بلد فقير حقاً؟ (11) كيف نقدّر تكاليف المنتجات البترولية في مصر؟

د. عبد الخالق فاروق

هل نحن بلد فقير حقاً؟ (11) كيف نقدّر تكاليف المنتجات البترولية في مصر؟

د. عبد الخالق فاروق
09:25 م الخميس 09 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وكيف يجرى التلاعب بمفهوم الدعم؟

من سنوات بعيدة- وتحديداً منذ يوليو عام 2005- ظهر في الموازنة العامة للدولة في مصر بند يسمى "دعم المنتجات البترولية، بقيمة 41.0 مليار جنيه، وكان المقصود من وجهة نظر الحكومة المصرية التي كان يترأسها د. أحمد نظيف، ويشارك فيها عدد كبير من رجال المال والأعمال (2004- فبراير 2011)، كما يتولى فيها منصب وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالى، الذى كان أول الهاربين خارج مصر بعد الساعات الأولى من قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، وقبل أن يوجه إليه أية اتهامات من أي نوع: (ما يضيع على الخزانة العامة المصرية من إيرادات بسبب بيع تلك المنتجات - مثل البنزين والسولار والغاز الطبيعي والمازوت- بالأسعار المحلية ، بدلا من بيعها بأسعار المثل السائد في الأسواق العالمية، أو بالتحديد في الأسواق الأمريكية والأوروبية). 

ولم ينتبه لهذا التلاعب المحاسبي والمالي سوى كاتب هذه السطور، الذي نشر عدة مقالات ودراسات، وأبدى رغبة متكررة عبر القنوات التليفزيونية لمناظرة أي من المسئولين في الدولة، سواء قبل ثورة يناير عام 2011، أو بعدها وتقديم الحقيقة للرأي العام المصري. 

والحقيقة أن التعريف الذي تبنته الحكومات المصرية منذ يوليه عام 2005، وحتى يومنا الراهن في أكتوبر عام 2017، والقائم على مفهوم نفقة الفرصة البديلة Opportunity Cost لا يتفق على الإطلاق مع التعريف العلمي الصحيح والمنضبط لمفهوم الدعم Subsidy في العلوم الاقتصادية والمالية، والذي يقصد به (ما تتحمله الخزانة العامة للدولة من أعباء مالية، نتيجة بيع سلعة أو خدمة في الأسواق المحلية بأقل من تكلفة إنتاجها ومحملة بنسبة ربح مناسبة أو معقولة). 

وهنا مناط الخلاف والاختلاف بين الدعم الحقيقي، والدعم الافتراضي أو الحسابي.

فالدعم الحقيقي ينصرف إلى ما تتحمله الخزانة العامة فعلًا من أعباء مالية نظير بيع هذه السلعة أو الخدمة بأقل من تكاليف إنتاجها، بينما يذهب المفهوم الحكومي- المستند إلى رأى صندوق النقد الدولي- منذ عام 2005 وحتى يومنا الراهن، إلى معنى مختلف يقوم على ما يسمى في علم الاقتصاد بنفقة الفرصة البديلة، أي بحساب الفارق المالي الذى ضاع على الدولة أو الخزانة العامة، بسبب بيع هذه السلعة أو الخدمة بأسعار تقل عن سعر بيع مثيلتها في الأسواق الدولية، حتى لو كانت هذه السلعة أو الخدمة يتكلف إنتاجها أقل كثير من تكاليف إنتاج مثيلتها في الأسواق الدولية وخصوصا في الولايات المتحدة أو أوروبا.

وبرغم ظهور بعض الوزراء والمسئولين في قطاع البترول في وسائل الإعلام المختلفة طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية (سامح فهمى – أسامة كمال – طارق الملا) ، فإن أحداً منهم لم يقدم للرأي العام أرقاماً دقيقة بشأن تكاليف الانتاج المحلية للتر البنزين أو السولار أو غيره من منتجات بترولية، وباستثناء تصريح صحفي لوزير البترول المهندس طارق الملا المنشور بجريدة الوطن المصرية بتاريخ 10/7/2016، الذي أشار فيه إلى أن: 

• الدولة تدعم لتر بنزين (92) أوكتين بنسبة 60% حيث يتكلف إنتاجه 4.30 جنيه، بينما يباع في السوق المحلية بسعر 2.6 جنيه، 

• وأن الدولة تدعم لتر بنزين (80) أوكتين بنسبة 54%، حيث يتكلف 2.95 جنيه، بينما يباع في السوق بـ1.60 جنيه. 

• وكذلك السولار يدعم بنسبة 56% حيث يتكلف اللتر 3.20 جنيه بينما يباع بسعر 1.80 جنيه. 

• أما أنبوبة البوتاجاز فمرة يقول إنها تتكلف 58 جنيها، وأخرى يقول إنها تتكلف 50 جنيها، بينما تباع في السوق المحلية بسعر 8 جنيهات. 

• أما لتر بنزين (95) أوكتين فقد اعترف الوزير بأنه يتكلف 5.0 جنيهات، بينما يباع في السوق المصرية بسعر 6.25 جنيه. 

وكان هذا هو أوضح تصريح لوزير مصري حول التكاليف الخاصة بلتر المواد البترولية، وقد أضاف الوزير الملا ما أعتبره العناصر الثلاثة لتقدير الدعم الوارد في الموازنة العامة وهي: 

• حجم الاستهلاك المحلى من المنتجات البترولية والغاز الطبيعي. 

• أسعار النفط العالمية. 

• سعر صرف العملات الأجنبية. 

كما أضاف الوزير ما يفيد حينما قال إن بعض المنتجات البترولية تقوم الحكومة المصرية بشرائها من الشركات الاستثمارية والأجنبية بالأسعار العالمية، وكذلك من حصة الشريك الأجنبي، خصوصا البوتاجاز والسولار. 

إذن علينا أن ننتبه إلى الحقائق التالية قبل أن نبدأ في حساب تكاليف الانتاج الفعلية للتر المنتجات البترولية في مصر، وهذه الحقائق هي: 

أن سوء إدارة قطاع البترول والغاز طوال الأربعين عاما الماضية، أدت إلى هيمنة الشركات الأجنبية والاستثمارية التي يملكها رجال المال والأعمال المصريون والعرب، ومنهم أسماء كبيرة من المرتبطين بنظام الحكم في عهد مبارك، والذين بدأوا اقتحام هذا القطاع منذ مطلع التسعينيات، والآن أصبحت لهم قوة طاغية ومصالح عاتية ورجال يناصرونهم في الإدارة الحكومية المصرية، يطالبون ويصرون على تقديم منتجاتهم بالسعر العالمي، بينما حصلوا على امتيازاتهم وآبار بترولهم بالسعر المحلي!! 

تنازلت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة البترول وهيئة البترول منذ أكثر من ثلاثين عاما عن بعض حقوقنا في إنتاج البترول، خصوصا تخفيض حصتنا في الإتاوة من 15% إلى 10% فقط، ما أدى لخسارة قطاع البترول المصري أكثر من 10 مليارات دولار طوال ثلاثين عاما ماضية لصالح الشركاء الأجانب تحت بند واحد، وتحت نفس اللافتة التي نهبت مصر تحتها، ألا وهى تشجيع الاستثمار الأجنبي وجذب المستثمرين، علماً بأن هذه النسبة لا تقل عن 15% لدى أبوظبى والكويت والسعودية وتصل إلى 16.6% في ليبيا في عهد القذافي. 

كما تساهلت وزارة البترول وهيئة البترول المفاوضة للأطراف الأجنبية، في بند استرداد التكاليف، وفى توزيع الحصص بيننا وبين الشركاء الأجانب، فأصبح الشريك الأجنبي يحصل في المتوسط على ما بين 60% و65% سنويا من إنتاج الآبار المصرية، بينما في معظم الدول المنتجة ينبغي ألا تزيد حصة الشريك الأجنبي على 40% لـ45% على الأكثر شاملة بند استرداد التكاليف.

وعندما يشير وزير البترول المصري- في كلمته أمام المؤتمر الاقتصادي الذى عقد بالقاهرة في شهر أكتوبر عام 2015، والتي نشرها موقع مصراوي بتاريخ 14/10/2015- إلى أن 40% من احتياجاتنا من المواد البترولية (منتجات وخام) تستورد من الخارج وبالأسعار العالمية، ويقر الرجل بأن كثيراً من هذه المنتجات نشتريها من الشركات الاستثمارية والأجنبية، ومن حصة الشريك الأجنبي، فإنه لا يقدم معلومات بشأن طريقة احتساب هذه المشتريات وفقا لعقود البترول الموقعة مع الشريك الأجنبي، حيث تسمح عقود البترول في كافة دول العالم العربي المنتجة بخصم ما يسمى "المسموحات" من السعر المعلن، مثل مسموحات التسويق ومسموحات تنفيق الإتاواة، والتي تختلف من بلد إلى آخر، وبالتالي في هذه الحالة فإن السعر الذى تحصل عليه مصر من الشريك الأجنبي يقل عن السعر العالمي، وهناك الكثير من التنازلات التي قدمتها قيادات قطاع البترول طيلة الثلاثين عاما الماضية، أما تحت اعتبارات الفساد والمصالح الشخصية، أو تحت ضغط الرئيس مبارك ومن حوله من الفاسدين، وهو موضوع آخر يطول شرحه ولدينا مستنداته ووثائقه.

تمّ الاتفاق بين متداولي النفط على اختيار أنواع محدّدة تكون بمثابة معيار للجودة، وعلى أساسها يتم زيادة أو خفض قيمة السلع البترولية. فعلى مستوى العالم اختير خام برنت في المملكة المتحدة ليكون مرجعاً عالمياً، وفي منطقة الخليج العربي يستخدم خام عمان ودبي كمعيار للتسعيرة، وفي الولايات المتحدّة خام وسط تكساس المتوسط، وهي من حيث الجودة علي الترتيب (تكساس– برنت– سلة أوبك). 

وتتفاوت تكاليف استخراج برميل من البترول من دولة إلى أخرى، فهي في روسيا الاتحادية ووفقا لتصريحات الرئيس فلاديمير بوتين في شهر سبتمبر عام 2017 تتراوح بين 6 و9 دولارات، بينما في الكويت تتراوح بين 8 و8.3 دولار للبرميل، وفى فنزويلا بين 23 و23.5 دولار، وهكذا.

Untitled

شكل يوضح تباين تكاليف إنتاج برميل النفط في أهم الدول المنتجة

فكيف تحسب الحكومة المصرية تكاليف إنتاج لتر من المنتجات البترولية (بنزين– سولار– كيروسين– مازوت)، أو الغاز الطبيعي؟ 

وبعدها يمكننا أن نتساءل: هل نحن بلد فقير حقًا؟

إعلان