إعلان

ليلة سقوط اليونسكو

ليلة سقوط اليونسكو

عادل نعمان
09:00 م الإثنين 23 أكتوبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

النجاح أو الرسوب فيها ليس نتاج ساعة من نهار أو من ليل، فهو ليس اختبار ذكاء أو قدرات ومهارات خاصة، بل هو اختبار واختيار ومراجعة تاريخية للأمة، مركزها الثقافي، ومكانتها العلمية، ونصيبها من الحضارة ومن الحرية والعدل والمساواة، وما ترسخ في ضمير شعبها ومارسه مع الآخر، في الحفاظ على معتقده الديني وحريته في ممارسة شعائره دون حجر أو ضغط أو إكراه، فالدولة كلها في الميزان والتقييم، أفرادًا وجماعات، ومؤسسات علمية وتعليمية وثقافية وبحثية ومجتمعية.

هذه هي مسوغات التعيين في منصب رفيع، تتقدم به الدولة قبل المرشح، لا يهم أن تكون هذه المسوغات مكتوبة، بل مقروءة، ومسموعة للجميع حتى للمواطنين أنفسهم، فإذا كان المنصب هو مدير عام اليونسكو، وهي المنظمة المعنية بالتعليم والتراث والعلوم الطبيعية والثقافة والاتصالات والإعلام وحقوق الإنسان والتنوع وثقافة السلام، فتصبح كل مسوغات التعيين دون المستوى وتفوز فرنسا.

فليس ثمة مسوغ واحد مما سبق يستطيع أن ينافس في هذا المضمار، ليس هذا انهزاما أو تقليلًا من قدر المرشحة أو تاريخنا الثقافي، بل هو تقييم واقعي للحاضر، وقياسه بواقع الغير، ومطابقتهما ومقارنتهما بعضهما ببعض، فمن علا شأنه من المرشحين، من أمة عالية القدر، كان متسقا مع ذاته، متناغما مع خط مجتمعه في النجاح والحكم والرؤيا والاتجاه، ومن علا شأنه من المرشحين من أمة هبط وانحدر قدرها، خافوا عليه أن يتسلل الخلل والإنكار إلى نفسه، وفساد خياله، وشذوذ رؤياه وحكمه، فيرى في الآخر ما يراه مجتمعه أو دينه، ويحكم عليه كما يحكم عليه مجتمعه أو دينه.

فالتدين غالب على ثقافة الجميع مهما كان قدر وعلم المتلقي، فربما يستجيب لأحكامه حتى لو غلبت فطرته وإنسانيته، فنرى طبيبًا يستجيب لنداء الصلاة، ولا يستجيب لنداء المريض، مقتنعًا أن نداء الصلاة أوجب وألزم، وهو إن كان مقبولًا في بلادنا على مضض، فهو جريمة يعاقب عليها القانون في بلادهم، فالإنسان أولى بالرعاية من الصلاة وإقامة الشعائر، وقد فهموا مناطق الخلل في المسلمين، ما أصاب المسلم من نرجسية وتكبر واستعلاء على الأديان الأخرى، وإيثاره العدل والرحمة على بني دينه دون خلق الله، جعلهم أبعد عن العدل الإنساني والرحمة للعالمين، فانصرف الناس عن أحكامهم المنحازة، وفكرهم الملبوس، حتى من المتميزين منا.

وكان الغزو الوهابي لمدارسنا ومعاهدنا وتاريخنا الفني والثقافي، هو المؤامرة الحقيقة التي جرتنا إلى هذا التخريب والتجريف، فكان نتاج التعليم هذا الخلل الذي نراه، فلا يهم في التعليم سوى الالتزام بالزي والمظهر الإسلامي، دون التعليم والتربية، فكان الغالبية لا يقرأون ولا يكتبون حتى نهاية التعليم الأساسي وأكثر، المهم أن يتعلموا أن الضالين في القرآن هم اليهود والمغضوب عليهم هم المسيحيون.

وفي معاهدنا الدينية المنتشرة في طول البلاد وعرضها كان الغزو مضاعفًا، فلا يهم تنشئة الجيل على ترسيخ قيم السلام والمواطنة واحترام الآخر، بل الأهم ترسيخ فكر الجهاد، وتكفير غير المسلم ومجاهدته، وقتل تارك الصلاة عمدًا واستتابة المقصر، وقتل المرتد، فكان هذا الغطاء الديني الوحيد الذي التحفوا به، وأصبح هو الحكم الرئيسي على الفشل والنجاح، والمرض والصحة، والمكسب والخسارة، والعلم والجهل، والزواج والطلاق، والغني والفقر، وربما أصبح هذا التلميذ معلما وقاضيا وضابطا وعالما أو مرشحا لمنصب دولي!

هذا الغزو الثقافي الوهابي الذي دمَّر الشخصية المصرية التي استمدت ثقافتها المستنيرة من حضارة عريقة، أسست على حب الخير والسلام، والصدق والأمانة، (يتحلى بالحق ويتخلى عن الباطل، تاركا سبيل الضلال للضالين، صادقا غير حانث، ولا ينظر إلى امرأة غيره، ولا يحقر أحدًا ولا يظلمه)، وأرست قواعد الحق والعدل الإلهي قبل الأديان، فكان دينًا سافر عبر الدنيا يحمل الخير والنماء والمحبة والسلام، وكانت الموسيقى والفن والنحت والرسم أدواته في ترسيخ قيم المحبة والخير، فأصابوه في مقتل وسلبوه أدواته، فأصبح التصوير حراما، والغناء والموسيقى مزامير الشياطين، والتشخيص كفرا بواحا والتماثيل أصناما جاهلية، فتعطلت صور الجمال في يديه، وحمل معاول الهدم يهدم الحضارة الإنسانية، فتحجرت النفوس وتوحشت الضمائر، وجفت ينابيع الخير والمحبة، وأصبحت القلوب كالحجارة أو أشد قسوة .

أما عن الحريات فلها مفهوم عند الحكام كمفهومها عند البسطاء والفقراء والجهلاء، فتأتي في المرتبة الثانية بعد لقمة العيش والأمن والعلاج، فكانت على هوى الحاكم، إلا أنها تأتي في المرتبة الأولى عند أنصار الفكر الحر، والذي يراه خللًا في ترتيب عقل الجميع، قيادات تقود الأمة، وشعب، ومنهم المرشحون، وكانت هذه المسوغات فاسدة وفاشلة فرسبنا ورسبت معنا مشيرة.

إعلان

إعلان

إعلان