إعلان

من كتاب فلسفة الثورة.. "عبدالناصر" يتحدث عن الثورة الثانية وخذلان الشعب للجيش

03:12 ص الثلاثاء 23 يوليو 2019

الرئيس الراحل جمال عبدالناصر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد نصار:

يمثل اليوم الثلاثاء الذكرى الـ67 لثورة 23 يوليو 1952، والتي قاد فيها الجيش المصري الثورة ضد الحكم الملكي وتحرير الشعب المصري من أوضاعه التي طغى عليها الاستبداد والفساد.

ويحكي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، في مذكراته تحت عنوان "فلسفة الثورة" عن بدايات فكرة الثورة فيقول بعد الهزيمة الكبيرة في حرب فلسطين عام 1948: "إن اليوم الذي اكتشفت فيه بذور الثورة في نفسي أبعد من حادث 4 فبراير 1942 الذي كتبت بعده خطابات إلى صديق أخبره.. ما العمل بعد أن وقعت الواقعة وقبلناها مستسلمين خاضعين خانعين؟"

أثر الهزيمة على الجيش والمصريين

ويتحدث عبدالناصر، عن طبيعة الاستعمار والورقة التي يلعب بها على جسد الشعوب: "الحقيقة أن الاستعمار يلعب بورقة واحدة في يد التهديد فقط، ولكن لو أنه أحس أن بعض المصريين ينوون التضحية بدمائهم ويقابلون القوة بالقوة لأنسحب كأي إمرأة من العاهرات.. وطبعًا هذا حاله وتلك عادته، أما نحن.. أما الجيش فقد كان لهذا الحادث تأثير جديد على المعنوية فبعد أن كنت ترى الضباط لا يتكلمون إلا عن الفساد أصبحوا يتكلمون عن التضحية والاستعداد لبذل النفوس في سبيل الوطن، والواقع أن هذه الحركة وهذه الطعنة ردت الروح إلى الأجساد وعرفتهم أن هناك كرامة يجب أن يستعدوا للدفاع عنها، كان هذا درسًا قاسيًا".

صراع عبدالناصر مع نفسه وشكه الذي سيطر عليه

كان السؤال الذي يسيطر على عقل جمال عبدالناصر لسنوات طويلة.. هل ما قام به الجيش صحيحًا أم لا: "لطالما ألح على خاطري سؤال هو.. هل كان يجب أن نقوم -نحن الجيش- بالذي قمنا به في 23 يوليو 1952؟، لقد قلت إن ثورة 23 يوليو كانت تحقيقًا لأمل كبير راود شعب مصر منذ بدأ في العصر الحديث يفكر في أن يكون حكمه في أيدي أبنائه، وأن تكون له نفسه الكلمة العليا في مصيره".

ويتابع عبدالناصر: "وإذا كان الأمر كذلك، ولم يكن الذي حدث يوم 23 يوليو ثورة شعبية أو تمردًا عسكريًا فلماذا قدر للجيش دون غيره أن يحقق هذه الثورة؟.. لقد آمنت بالجندية طول عمري والجندية تجعل للجيش واجبًا واحدًا وهو أن يموت على حدود وطنه، فلماذا وجد جيشنا نفسه مضطرًا للعمل في عاصمة الوطن لا على حدوده، مرة أخرى دعوني أنبه على أن الهزيمة في فلسطين أو الأسلحة الفاسدة أو أزمة نادي الضباط لم تكن المنابع الحقيقية التي تدفق منها لسيل، لقد كانت كلها عوامل مساعدة على سرعة التدفق".

لماذا وقع على الجيش هذا الواجب؟

في النهاية وفي كل مرة يفكر فيها عبدالناصر في إجابة لهذا التساؤل يقول: "هذا السؤال طالما ألح على خواطري، ألح عليها ونحن في طور الأمل والتفكير والتدبير بعد يوليو، وألح عليها في مراحل كثيرة من التجربة بعد 23 يوليو، ولقد كانت أمامنا مبررات مختلفة قبل 23 يوليو تشرح لنا لماذا يجب أن نقوم بالدور الذي قمنا به، كنا نقول.. إذا لم يقم الجيش بهذا العمل فمن يقم به؟. وكنا نقول (كنا نحن الشبح الذي يؤرق به الطاغية أحلام الشعب، وقد آن لهذا الشبح أن يتحول إلى الطاغية فيبدد أحلامه هو).

يضيف عبدالناصر: "الأهم من كل ما كنا نقوله، ما كنا نشعر به أننا كنا نشعر شعورًا يمتد إلى أعماق وجودنا بأن هذا الواجب واجبنا، وأننا إذا لم نقم به فإننا نكون قد تخلينا عن أمانة مقدسة نيط بنا حملها، ولكن اعترف أن الصورة الكاملة لم تتضح في خيالي إلا بعد فترة طويلة من التجربة عقب 23 يوليو، وكانت تفاصيل هذه التجربة هذ عينها تفاصيل الصورة".

عبدالناصر يتحدث عن خذلان الشعب

لم يكن الشعب المصري مؤيدًا بشكل كبير -وفق مذكرات ناصر- لهذه الثورة في بداياتها، فيقول عبدالناصر، في مذكراته: "وأنا أشهد أنه مرت علي بعد يوم 23 يوليو نوبات اتهمت فيها نفسي وزملائي وباقي الجيش بالحماقة والجنون الذي صنعناه في 23 يوليو، لقد كنت أتصور قبل 23 يوليو أن الأمة كلها متحفزة ومتأهبة ولا تنتظر إلا طليعة تقتحم أمامها السور فتندفع الأمة ورائها صفوفًا متراصة منتظمة تزحف زحفًا مقدسًا إلى الهدف الكبير".

وفقا لحديث عبدالناصر، خاب ظنه ولم يكن الشعب على مستوى تطلعاته: "كنت أتصور دورنا على أنه دور الطليعة وكنت أظن أن دورنا هذا لا يستغرق أكثر من بضع ساعات ويأتي بعدها الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير، بل قد كان الخيال يشط بي أحيانًا فيخيل لي أني أسمع صليل الصفوف المتراصة وهدير الوقع الرهيب لزحفها المنظم إلى الهدف الكبير، أسمع هذا كله ويبدو في سمعي من فرط إيماني به حقيقة مادية، وليس مجرد تصورات خيال".

كما يتحدث الرئيس الراحل عن يوم 23 يوليو 1952 والمفاجأة التي وجدها بخلاف توقعاته: "ثم فاجئني الواقع بعد 23 يوليو.. قامت الطليعة بمهمتها واقتحمت سور الطغيان وخلعت الطاغية، ووقفت تنتظر وصول الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنظمة إلى الهدف الكبير، وطال انتظارها -لقد جاءتها جموع ليس لها أخر، ولكن ما أبعد الحقيقة عن الخيال- كانت الجموع التي جاءت أشياعًا متفرقة وفلولًا متناثرة وتعطل الزحف المقدس إلى الهدف الكبير، وبدت الصورة يومها قاتمة مخيفة تنذر بالخطر".

الصراع الداخلي

يوضح عبدالناصر، أن هذا الخذلان كان له أسبابه الخاصة وهي انشغال المصريين بالصراع الداخلي بينهم وخاصة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية: "لم أجد مصريًا يقول كلمة إنصاف في حق مصري آخر، وذهبنا لطلب النصيحة من أصحابها فلم نجد الكثير، واعترف أن هذه الحالة سببت لي أزمة نفسية كئيبة، ولكن التجارب فيما بعد وتأمل هذه التجارب واستخلاص معانيها الحقيقية خففت من وقع الأزمة في نفسي وجعلتني ألتمس لهذا كله أعذارًا من الواقع عثرت عليها حين اتضحت أمامي -إلى حد ما- الصورة الكاملة لحالة الوطن، وأكثر من هذا أعطتني الجواب عن السؤال الذي قلت إنه لطالما راودني وهو.. هل كان يجب أن نقوم نحن الجيش بالذي قمنا به في 23 يوليو؟.. والجواب نعم ولم يكن هناك مهرب أو مفر، وأنا الأن أستطيع أن أقول إننا نعيش في ثورتين وليست ثورة واحدة".

الثورة الثانية

ويفسر جمال عبدالناصر، ما حدث على أنه لكل شعب من شعوب الأرض ثورتان، ثورة سياسية، يسترد بها حقه في حكم نفسه بنفسه من يد طاغية فرض عليه، أو من جيش معتدِ أقام في أرضه دون رضاه، وثورة اجتماعية تتصارع فيها طبقاته ثم يستمر الأمر فيها على ما يحقق العدالة لأبناء الوطن الواحد: "لقد سبقتنا على طريق التقدم البشري شعوبًا مرت بالثورتين ولكنها لم تعشهما معًا وإنما فصل بين الواحدة والثانية مئات السنين، أما نحن فالتجربة الهائلة التي امتحن بها شعبنا هي أن نعيش الثورتين معًا في وقت واحد".

فيديو قد يعجبك: