إعلان

الوداع المر.. كيف مرت ليلة أمس على أهالي ضحايا الطريق الأوسطي أمام المشرحة؟

06:25 م الخميس 21 أكتوبر 2021

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب ـ رمضان يونس ومحمود عبد الرحمن:

ليلة طويلة قاسية وصعبة قضاها مفضل يونس أمام جدران ثلاجة موتى مستشفى 6 أكتوبر، تظهر عليه علامات التعب والإرهاق، انتظارا لاستلام جثمان فلذة كبده "يونس" وجثمان ابن شقيقه عبدالله تمهيدًا لدفنهما في قريتهم بأسيوط، بعد أن لقيا مصرعهما مع 17 راكبا آخرين، في حادث اصطدام سيارة نقل بأخرى ميكروباص.

كان ابنا العم في طريقهما للعودة إلى أسرتيهما لقضاء إجازة بعد أيام عمل شاقة في إحدى المزارع بمنطقة وادي النطرون.

وتلقت غرفة عمليات المرور مساء أمس إشارة من إدارة شرطة النجدة، بوقوع حادث تصادم سيارة ميكروباص بأخرى نقل بالطريق الأوسطي، ما أدى إلى مصرع 19 راكبا.

وكشفت المعاينة الأولية للحادث اصطدم قائد سيارة النقل بثلاث أعمدة إنارة ثم الحاجز الخرساني للطريق في الاتجاه القادم من مناطق الفيوم والتجمع، واخترقت الحاجز ثم تجاوزت الجزيرة الوسطى واصطدمت بسيارة بالميكروباص التي كانت في الاتجاه المعاكس.

"ابني وسندي مات"، بلهجة مأساوية وعيون امتلأت بالدموع قالها "مفضل" الرجل الخمسيني، متذكرا مكالمة هاتفية تلقاها من محمول ابنه "يونس" منتصف ليلة أمس، لكن المتحدث شخص مجهول يخبره بلهجة مقتضبة: "تعرف صاحب الموبايل ده؟". يجيبه الأب "أيوة"، ليلقي عليه المتصل بعد لحظات من الصمت "البقاء لله هو عامل حادث على الطريق الدائري"، كلمات كانت كالصاعقة على الأب الذي ظل لدقائق معدودة يلتقط أنفاسه، ظنا أنه في كابوس لكن ما زاد الأمر سوء إغلاق المتصل الخط بعد مطالباته بالتوجه إلى مشرحة مستشفى 6 أكتوبر لاستلام جثمان ابنه.

"كان لسه يكلمني قال جاي في الطريق يا أبوي"، يقول مفضل، الذي ظل يهاتف العديد من الأشخاص الذين يعملون مع ابنه للتحقق من الأمر لكن دون رد، ليقرر اصطحاب أسرته والسفر إلى القاهرة لمعرفة ماذا حدث: "كل ما أرن على حد يكنسل أو مفيش رد أصلا"، لتأتيه المكالمة الصادمة من أحد أصدقاء ابنه الذي أخبره بتواجده أمام مشرحة المستشفى وعدم نجاة أي شخص من السيارة.

ظهر يوم أمس الأربعاء، تجمع عدد من عمال إحدى المزارع بمنطقة وادي النطرون بالبحيرة، بعدما جهز كل واحد منهم حقائبه استعدادا لسفرهم إلى قراهم ببعض محافظات الصعيد لقضاء إجازة بعد أيام عمل شاقة، يقول "مفضل": "ركبوا عربية ميكروباص من الموقف"، ليأتي ما لم يكن متوقعا؛ اصطداهم بسيارة نقل من الطريق المجاور أدى إلى مصرعهم.

منذ 7 أشهر، اتخذ يونس أحد ضحايا الميكروباص قراره بمغادرة منزله، حمل حقيبة سفره متجها إلى وادي النطرون بمحافظة البحيرة، للعمل مع أبناء عمومته في إحدى المزارع، لمساعدة أسرته البسيطة بأي أموال تعينيهم على مصاعب الحياة التي لا تنتهي، يقول أحمد صديقه: "كان عاوز يساعد أهله عشان هم على أد حالهم".

"الخبر كان أكبر صدمة بالنسبة ليا"، يقول سلامة عيسى، ابن عم أحد الضحايا إنه تفاجئ قبل غروب شمس الأربعاء وقبل الانتهاء من عمله كسائق جرار زراعي في وادي النطرون، بتجمع عدد من أبناء عمومته الذي يعملون معه وبدت عليهم علامات الحزن، وهرع بعضهم نحو مكان الإقامة وارتداء الملابس للتوجه إلى مكان الحادث: "قالوا أولاد عمك عبد الله ويونس عملوا حادث على طريق أكتوبر وفي ناس ماتت".

نزل الخبر على سلامة الشاب الثلاثيني كالصاعقة لم يدر ماذا يفعل، ترك عمله مهرولا لمعرفة ماذا حادث، وطوال الطريق لم تفارق شفته كلمات ظل يرددها: "يارب يكون في حد عايش يارب سلم"، ليأتيه ما كان يخشاه على لسان أحد السائقين قبل وصولهم موقع الحادث بدقائق معدودة بعدم نجاة أي راكب من الحادث، يتذكر تلك اللحظة جيدا يقول: "سواق اتصل قال البقاء لله مفيش حد من الميكروباص طلع عايش".

على أحد الأبواب الحديدية بالقرب من المشرحة التي تحتضن جثامين الضحايا، وقف أحمد محمد، الذي لا يتعدى عمره الـ13 عاما، تدور عينيه حول العابرين بالغرفة التي حملت على وجهتها ثلاجة الموتى، على أمل إلقاء النظرة الأخيرة على صديقه عبدالمجيد عبدالله.

"كان جاي البلد يطمن على أبوه"، يقول أحمد صديق عبدالمجيد أحد الضحايا، قبل ثلاثة أيام غادر عبدالمجيد منزله متجها إلى عمله بإحدى مزارع الطماطم بوادي النطرون، قبل أن تصله أنباء بتعرض والده لحادث موتوسيكل، ليقرر العودة إلى المنزل ثم العودة إلى مرة أخرى: "يا ريت ما كان فكر في النزول البلد"، يقولها أحمد.

بين ركاب ميكروباص الموت العمال، كانت أسرة "هاني صدقي"، المكونة من ثلاثة أفراد والتي كانت في طريقها لحضور عرس ابنهم "نادي"، المقرر له الأحد المقبل، قبل أن يغير القدر ما كان مخطط بعدما لقت الأسرة مصرعها.

قبل سنوات مضت، ترك هاني بلدته "دلجا"، بمركز دير مواس التابع لمحافظة المنيا؛ للعمل بإحدى الشركات المتخصصة في استصلاح الأراضي الزراعية، بضواحي وادي النطرون بمحافظة البحيرة؛ شهور طويلة قضاها الرجل الأربعيني بالعمل وحيدا، قبل أن يقرر استئجار شقة واصطحاب زوجته وأطفاله الصغار: "كان ماسك مزرعة هو وأطفاله كانوا ينزلوا البلد في المناسبات بس"، يقول أحد أقارب الأسرة. وكان أمس نزولهم الأخير.

فيديو قد يعجبك: