إعلان

"مفيش حد جدع"| حكاية "وافد عين شمس" مع الانتحار.. انفصال والديه كان البداية

01:18 م السبت 16 فبراير 2019

كتب- طارق سمير وسامح غيث:

لم يصل "محمد" لحل يؤنس وحدته بعدما طرده والداه من منزلهما، عقب طلاقهما، سوى الفرار نحو مقهى في عين شمس ليعمل به، ويعتمد على ذاته في جمع قوت يومه، لكن وتيرة حياته سارت نحو منحى مختلف، فرغبة مالك المقهى في الاستغناء عنه خلال أيام جعلته ينتحر شنقًا، ويرحل عن الدنيا.

وجدت قوات الأمن في مكان الواقعة، كراسة مدونًا عليها بخط يد المنتحر عبارات قصيرة، منها: "أمي ظلمتني.. أبويا ظلمني"، "مفيش حد جدع".

نشأ المتوفى بين أسرة حياتها مليئة بالعقبات، تزوج والداه قبل 18 سنة ورزقا به وشقيقته "هبة"، ونتيجة خلافهما المتكرر، لعدم انصياع الزوجة لتوجيهات زوجها فيما يخص تدابير حياتهما معا، من اقتصاد نفقات وقلة زيارتها لأصدقائها وأقاربها، انفصلا عن بعضهما، يقول "هاني. م"، أحد أقارب المتوفى لمصراوي.

في ذلك الحين كان المنتحر عمره 6 سنوات، ظل رفقة والدته "هدى" وشقيقته في منزلهما بمحافظة الشرقية، وتوجه والده إلى القاهرة سعيا لحياة جديدة.

بمرور الوقت تعبت الأم من رعاية أبنائها بمفردها، فرشح لها أحد أقاربها عريسًا على استعداد للزواج منها، ويسمح لأولادها بالجلوس معهما.

وافقت والدة المنتحر على الزواج من رجل آخر غير والده، انتقلت بعد طلاقها بسنتين لمنزل رجل جديد يساندها في مقاومتها الواهنة مع الحياة بعدما ظلت بمفردها.

لم يسعَ زوج والدة "محمد" إلى ذله أو إجباره على العمل، ظل يحفزه على مواصلة التعليم حتى وصل به المطاف للصف الرابع الابتدائي، ومن بعدها صمم الطفل- آنذاك- على النزول إلى سوق العمل، بعدما عنفته والدته وطالبته بضرورة مساندة المنزل بأي مال حتى لو كلفه الأمر ترك المدرسة دون أن يعلم زوجها.

عمل صبيا في ورش لتصنيع الأثاث، ومن بعدها في مطاعم أكلات شعبية، حتى نبغ ذهنه ونضجت أفكاره، شعر حينها بضرورة الإفلات من حياة والدته التي طردته مرات عدة.

رحل عن منزل أمه، وسافر إلى القاهرة ليجلس رفقة والده الذي تزوج من سيدة أخرى، وأنجب منها ولدا أسماه "حسن"- عمره 8 سنوات- يحكي والد المنتحر لمصراوي.

رحب "السيد" بمجيء ابنه الأكبر "محمد" ليعاونه بعمله في بيع "الأحذية" بعين شمس، واتفقا على تقسيم الورديات بينهما لتحقيق أكبر قدر من الربح، يمكن الأخير من الزواج، وتكوين أسرته الخاصة، إضافة إلى مساعدة شقيقته في تجهيزات زيجتها المستقبلية.

مكث "محمد"، مع جدته بالقرب من مسكن والده، وظل اتفاق الوالد والابن مستمرا على منوال مستقر لم يتغير، حتى كون الثاني صداقات ببعض شباب المنطقة، وأخذوه لطريق تعاطي مخدر "الإستروكس".

من هنا تبدلت حياة المتوفى رأسا على عقب، وأخل بالعهد الذي قطعه مع والده، وبات يتأخر عن العمل ويغيب عن المنزل بالأيام، لذلك طرده أبوه من شغله، مطالبا إياه بالابتعاد عنه بعدما طفح كيله، وترك منزل جدته.

الشاب واجه يأسه بعدما طرده أبوه. وطاف على كل معارفه لتدبير عمل له، فتمكن عمه "حسن" من تشغيله على "عربة" مأكولات شعبية، لكنه لم يفلح كثيرا لضيق خلقه في التعامل مع الزبائن، وقلة الأجر الذي يتقاضاه الذي لا يكفي لشراء المخدرات، وإيجار السكن، ومستلزماته المعيشية الأخرى.

خلال عمل المتوفى في عين شمس، تعرف على صاحب "مقهى" كان وافدا دائما لديه، فقصّ عليه حكايته وطالبه بالعمل معه، والمَبيت داخل الكافية كونه مطرودا من كل أقاربه، وافق الأخير واتفقا معه على أجر مناسب يمكنه من العيش دون طلب مساعدة من أحد.

قضى الفتى 7 أشهر داخل "المقهى"، يعمل في الصباح، وينعس ليلًا داخل غرفة صغيرة في آخر الرواق، فرغم كثرة معارفه إلا أنه كان انطوائيًا ليس لديه أصدقاء مقربون.

مع الوقت تغيرت تصرفاته، وزاد افتعاله للمشكلات مع الزوار، والحديث بغلظة مع مالك العمل رغم تحذيره مرات كثيرة بالسيطرة على أعصابه، لذلك أمره الأخير بضرورة ترك "المقهى" خلال يومين ليتمكن من تدبير مسكن آخر يعيش فيه.. يوضح "حسين. م"، مالك المقهى.

الجمعة قبل الماضي كان آخر يوم قضاه صاحب الـ18 ربيعًا في المقهى، قرر التخلص من حياته بعدما غُلقت كل الطرق أمامه وفشل في الوصول لأي مخرج يساعده في أزمته، علاوة على تخلى كل من حوله عنه. استغل الشاب النوم بمفرده داخل المقهى، وربط "كوفية" بإحكام في جنش السقف، وصعد إليه بواسطة كرسي خشبي، طوق عنقه بـ"الكوفية" وترك جسده يتدلى، بعدما أزاح المقعد، فظلت رقبته معلقة حتى قطعت أنفاسه، وفاضت روحه.

صباح اليوم التالي، فَتح "حسين" الكافيه، ترجل نحو غرفة الشاب ليوقظه من نومه، وجده معلقًا في السقف ووجه ضارب الاصفرار. لم يفكر حينها في شيء سوى الاتصال برقم النجدة التي حضرت خلال 30 دقيقة، ومعها فريق من النيابة المختصة لمعرفة تفاصيل الواقعة.

عثر رجال البحث، أسفل وسادة سَرير المتوفى على كراسة متهالكة مدون بها عبارات مقتضبة بخط يده، سرد فيها بطريقته الخاصة العوائق التي واجهته في الحياة، جاء أبرزها شكاوى من سوء معاملة الأب والأم وباقي عائلته، وأبرز أيضًا رغبته في ترك الحياة للارتياح نهائيًا.

كراسة المُنتحر أوصلت لرجال النيابة والمباحث أن الواقعة ليست جنائية، والشاب انتحر بعدما شعر برغبته في الموت، فقيدت القضية "وفاة بسبب انتحار".

مازالت أصداء الواقعة تدوي في أرجاء المنطقة، ومشاهد من حياة الشاب تمر في خلد والده الذى تلقى خبر انتحاره بدموع لم تنقطع في كل لحظة يتذكره فيها-على حد تعبيره- بينما توفيت جدة "محمد" إثر الصدمة التي ألمت بها بعد علمها بوفاة حفيدها.

فيديو قد يعجبك: