إعلان

50 عاما على أيلول الأسود: لماذا لم تنقل بريطانيا لإسرائيل رسالة الملك حسين "التي ناشدها فيها بضرب سوريا"؟

09:48 ص الجمعة 28 أغسطس 2020

إدوارد هيث رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن- (بي بي سي):
في سبتمبر عام 1970 اندلعت أحداث ما عرف بـ "أيلول الأسود" بين القوات المسلحة الأردنية ومسلحين فلسطينيين في الأردن، ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى، وتواصل الصراع حتى يوليو عام 1971.
وكانت هناك أحداث أخرى قد مهدت لهذا القتال، تمثلت في قيام فصيل فلسطيني هو "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" بسلسلة من عمليات خطف الطائرات. وفي هذا الإطار، تلقي وثائق بريطانية، سبق أن نشرت بعد رفع السرية عنها لمرور أكثر من 30 عاما عليها، الضوء على أحداث "أيلول الأسود" وكيف تفاوضت بريطانيا مع مسلحين، وكيف طلب الملك حسين من إسرائيل المساعدة، وكيف اختلفت واشنطن مع لندن في معالجة هذا الملف؟
نعيد هنا تسليط الضوء عليها بمناسبة مرور نصف قرن على أحداث أيلول السود.
خطف طائرات
في 6 سبتمبر عام 1970، اختطفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 4 طائرات مدنية .وطالبت بالإفراج عن مسلحين (أعضاء في الحركة الفلسطينية) معتقلين في ألمانيا وسويسرا وإسرائيل.
وتم نقل طائرتين إلى مهبط سابق لسلاح الجو الملكي البريطاني في وسط الصحراء الأردنية، والمعروف باسم مهبط داوسون. وفجرت الطائرة الثالثة في القاهرة بعد إطلاق سراح الركاب وطاقمها.
وفشلت محاولة اختطاف الطائرة الرابعة عندما تم التغلب على "الإرهابيين" على متن الطائرة. فقتل أحدهما واعتقلت الأخرى، وهي ليلى خالد. وحُول مسار الطائرة إلى أقرب مطار، وهو مطار هيثرو بالعاصمة البريطانية لندن.
وكانت ليلى خالد هي المسؤولة عن العملية، وقد تم احتجازها لدى بريطانيا. وقد أجبر وجودها هناك لندن على الدخول في أزمة دولية كبرى.
وعادة ما ترفض الحكومات التسليم لمطالب "الإرهابيين". وكانت بريطانيا قد تعهدت رسميا بعدم التفاوض مع مختطفي الطائرات في اتفاقية طوكيو الدولية لعام 1963. لكن تم التغاضي عن ذلك عام 1970.
مطالب بالإفراج عن ليلى
وطالبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالإفراج عن ليلى خالد وعن متشددين فلسطينيين آخرين كذلك. وبعد بضعة أيام اختطفت مجموعة تابعة لها طائرة مدنية أخرى في طريقها من بومباي (مومباي) إلى بيروت، حيث احتجز المسلحون أكثر من 300 رهينة منهم 65 بريطانيا. فماذا يجب أن تفعل بريطانيا؟
وتلخص خلاصات محاضر مجلس الوزراء الصادرة في 9 سبتمبر المعضلة التي واجهتها الحكومة البريطانية.
وتقول بالنص: "مجلس الوزراء يواجه قرارا صعبا ومعقدا، امرأة اسمها ليلى خالد محتجزة في البلاد، ويعد إطلاق سراحها عنصرا أساسيا في الصفقة التي يحاول قادة الجبهة الشعبية إبرامها".
وقد أعطت الجبهة الشعبية مهلة مدتها 72 ساعة للحكومة البريطانية، مما دفع المسؤولين إلى التفكير في إيجابيات وسلبيات إطلاق سراحها.
"المزايا: يجب أن نخرجها من نطاق مسؤوليتنا ويجب أن ينظر إلى تلك الخطوة باعتبارها إنقاذ لأرواح مواطني بريطانيا. والعيوب: الطيارون وشركات الطيران يتشاركون الرأي القائل إنه لا ينبغي الاستسلام للابتزاز، كما أن هذه الخطوة تعني أننا نتخلى عن موقفنا المعلن سابقا بشأن الاختطاف مما سيفقدنا كل المصداقية في دوائر الطيران المدني الدولي، كما يعني أيضا أننا ننتهك اتفاقية طوكيو لعام 1963".
وبفضل العمل الدبلوماسي في عمان وبمساعدة وسيط، وافقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على تمديد الموعد النهائي.
وكانت حكومة إدوارد هيث في لندن قد خلصت بالفعل إلى أن إنقاذ الرهائن غير ممكن، وخلف الكواليس بدأت بريطانيا في التفاوض مع الخاطفين، من خلال قنواتها الرسمية والسرية.
وبمرور 6 أيام على الأزمة حققت المفاوضات بعض النجاح الأولي، وتم إطلاق سراح بعض الرهائن، ومعظمهم من النساء والأطفال، دون قيد أو شرط.
لكن الخاطفين نفد صبرهم. وفي 12 سبتمبر وكإشارة تحذير، قاموا بتفجير 3 طائرات.
وقد أعاد هذا العمل، الذي شوهد في جميع أنحاء العالم على شاشات التلفزيون، تذكير المسؤولين البريطانيين في عمان بجدية نوايا المسلحين ومدى تهديدهم للعاهل الأردني الملك حسين.
وبدأت اتصالات محمومة بين السفير البريطاني في عمان ولندن.
"تلكس من عمان: لدى البعض من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذين يتسمون بعدم المسؤولية والعنف، فكرة أننا لن نطلق سراح ليلى خالد، ولقد أخبرونا من خلال وسيط أننا إذا لم نقم في غضون ساعات قليلة على الأقل بتقديم تأكيدات بأننا على استعداد للقيام بذلك سيحدث شيء خطير للغاية. هؤلاء الأشخاص قادرون تماما على قتل الرهائن".
تصاعد العنف
ووقعت عمليات الاختطاف على خلفية تصاعد العنف في الأردن حيث تحدى مسلحون حكومة وقوات الملك حسين.
وزعموا أن الملك حسين لم يفعل الكثير لمساعدتهم على مهاجمة إسرائيل بعد أن وفر لهم اللجوء في البداية.
ومع دعم سوريا بالفعل للمسلحين، كان حادث الاختطاف بمثابة الشرارة لإشعال وضع مشتعل بالفعل.
وكانت سوريا تدعم المنظمات الفلسطينية التي تمكنت من السيطرة على أجزاء من الأردن حتى تمكن الجيش الأردني من تدمير قواعدها فيما عرف لاحقا بأحداث أيلول الأسود.
هيث يوافق على الإفراج عن ليلى
ووافق رئيس الوزراء البريطاني حينئذ إدوارد هيث في النهاية على أن بريطانيا ليس لديها خيار سوى الإفصاح عن نواياها في إطلاق سراح ليلى خالد.
في الساعة السابعة من مساء يوم 13 سبتمبر، بثت إذاعة بي بي سي بالعربية بيانا للحكومة البريطانية قالت فيه إن المملكة المتحدة سوف تستبدل ليلى خالد بالرهائن.
فغضبت إسرائيل التي رأت أن القرار لن يؤدي إلا إلى تشجيع الإرهاب. لكن الوثائق تظهر أن القرار كان له أيضا تداعيات على استقرار الملك حسين والعلاقات البريطانية الأمريكية.
وفي غضون أيام، اتصل حسين بكل من لندن وواشنطن وناشدهما المساعدة.
وتكشف أوراق مجلس الوزراء البريطاني أن الملك حسين في ذروة قلقه، طلب من الحكومتين البريطانية والأمريكية توصيل نداء إلى إسرائيل لقصف القوات السورية التي كانت على وشك التدخل إلى جانب المسلحين.
وقد سببت هذه المناشدة غير المسبوقة من قبل حاكم عربي يطلب من إسرائيل قصف جار عربي ذعرا كبيرا في لندن.
وعلى الرغم من كون بريطانيا أقرب حليف غربي للملك حسين، وافقت الحكومة البريطانية على عدم تمرير الرسالة إلى إسرائيل وتركتها في أيدي واشنطن.

وكشفت الوثائق، التي نُشرت أواخر عام 2001، أن طلب الملك هذا قد جاء عبر لندن بسبب انقطاع وسائل اتصاله بالحكومة الإسرائيلية وبالولايات المتحدة.

وتوضح الوثائق أن واشنطن نقلت الرسالة إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير، لكن ردها مازال مجهولا.

وعلى الرغم من ظهور تقارير عن هذه المناشدة في ذلك الوقت، إلا أن جميع الأطراف نفتها بشدة.

وعلاوة على ذلك، في أعقاب أيلول الأسود زعم الفلسطينيون أن إسرائيل ربما زودت الأردن سرا بالأسلحة، متقبلين وجهة نظر الملك بأن الغزو السوري للأردن يمكن أن يشعل حربا جديدة في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، فإن قرار الحكومة البريطانية بالتفاوض مع الخاطفين أثار غضب واشنطن أيضا.

التوتر بين لندن وواشنطن
وكان التوتر قد وصل إلى ذروته في محادثة هاتفية بين السير دينيس غرينهيل، الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية، وجو سيسكو ، المسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض.

وقال سيسكو للسير دينيس: "أعتقد أن حكومتك بحاجة لأن تزن بعناية شديدة نوع الغضب الذي قد يحدث في هذا البلد ضد قيامكم بهذا النوع من الإجراءات".

وتكشف الوثائق أن السير دينيس رد: "حسنا ، لقد فعلوا جو ، ولكن هناك غضبا في هذا البلد فإسرائيل لن تقدم أي مساهمة في صفقة، وسيقتل مواطنونا، ويمكنك أن تتخيل كيف سيبدو الأمر سيئا إذا ظهر أنه كان بإمكاننا إخراج رهائننا، ولكن من أجل عنادك أنت والآخرين إذا جاز التعبير، (توقفنا)... أعني أن الناس سيتساءلون لماذا لم نحاول".

تنديد الملك حسين
وفي ذلك الوقت، ندد الملك حسين في مقابلة مع صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية بالخاطفين ووصفهم بـ "عار العالم العربي".

كما حذر من أنه إذا لم يحترم مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقات وقف إطلاق النار الأخيرة "فسوف يتحملون العواقب".

وفي 16 سبتمبر شكل الملك حسين حكومة عسكرية بقيادة محمد داود في خطوة وصفها عرفات بأنها "انقلاب عسكري فاشي".

أحداث أيلول الأسود
في 17 سبتمبر شن الجيش الأردني هجوما واسع النطاق على مسلحين فلسطينيين في بلدات في جميع أنحاء الأردن بعد أسابيع من القتال المتقطع بين الجانبين.

الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وصف الحكومة العسكرية التي كانت قد تشكلت في الأردن بـ "الفاشية"
وأمر قادة الجيش الأردني بدخول الدبابات إلى العاصمة عمان فجرا واستخدمت المدفعية والصواريخ و قذائف الهاون.

وكانت مدينة الزرقاء الاستراتيجية، التي تسيطر على طرق الإمداد إلى شمال البلاد، مسرحًا أيضًا لقتال عنيف.

وكانت هناك ادعاءات متضاربة بالنصر. وقالت إذاعة عمان إن الجيش الأردني يسيطر على ثلاثة أرباع العاصمة، فيما قالت مصادر فلسطينية إن المسلحين يسيطرون على المدينة بأكملها.

وأغلق مطار عمان وحدود البلاد، وعطلت خطوط الاتصالات.

وأفادت الأنباء أن القوات التابعة للملك حسين اقتحمت مقر منظمة التحرير الفلسطينية.

لكن مكان وجود زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات لم يكن معروفا حينئذ ويعتقد أنه كان موجودا في سوريا.

وبعد أيام قليلة تدخل السوريون ولكنهم سرعان ما سحبوا قواتهم في 24 سبتمبر بعد تكبدهم خسائر كبيرة على يد الجيش الأردني.

وحول الموقف الأمريكي من هذا الوضع، قال ملفين ليرد وزير الدفاع الأمريكي أنذاك، إنه إذا لزم الأمر سيتم نقل جميع المواطنين الأمريكيين البالغ عددهم 300 من الأردن جوا.

وأشار أيضا إلى أن أمريكا قد تقدم دعما عسكريا لحكومة الملك حسين إذا ساء الوضع، وقال إن بعض وحدات الأسطول السادس قد اقتربت من المنطقة.

إطلاق سراح الرهائن
وبعد أسبوعين تم تبادل الرهائن بأمان مقابل ليلى خالد و6 مسلحين فلسطينيين آخرين محتجزين في سويسرا وألمانيا.

وفي 27 سبتمبر وقع العاهل الأردني الملك حسين وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات اتفاقا لوقف إطلاق النار بعد 10 أيام من القتال المرير.

ودعا الاتفاق، الذي تم توقيعه في قمة طارئة بالعاصمة المصرية القاهرة، إلى وقف فوري لإطلاق النار وانسحاب جميع القوات من كل مدينة في الأردن.

ووقع على الاتفاق 8 من قيادات الدول العربية الأخرى والذين دعاهم الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر للقمة في محاولة لإنهاء الأزمة.

وبينما اختارت المملكة المتحدة عدم التدخل لصالح الملك حسين، سارت الأحداث على الأرض لصالحه، وشن جيشه حملة ناجحة ضد المسلحين الفلسطينيين.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: