إعلان

حرائق القطب الشمالي "تطلق الكربون المخزن منذ 100 ألف سنة"

04:26 م الجمعة 30 أغسطس 2019

حرائق القطب الشمالي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن (بي بي سي)
يشهد القطب الشمالي في الوقت الراهن تغيرات متلاحقة، بدءا من ذوبان الغطاء الجليدي، ومرورا بنمو الأشجار في المناطق الشمالية شديدة البرودة، وانتهاء بخروج الدببة القطبية الجائعة إلى المدن بحثا عن الطعام.

وأشارت تقارير إلى أن درجات الحرارة في المنطقة القطبية الشمالية ترتفع بوتيرة أسرع مرتين منها في سائر أنحاء العالم، وقد يعزى ذلك إلى تقلص مساحة الجليد الأبيض الذي يعكس أشعة الشمس، وزيادة مساحة المحيطات والتربة الطينية التي تمتصها.

وأدى ذلك إلى تفاقم تداعيات تغير المناخ، كالارتفاع الاستثنائي في درجات الحرارة المسجلة عالميا.

لكن القارة القطبية الشمالية لن تفقد غطاءها الجليدي فحسب، بل تتصاعد منها ألسنة اللهب أيضا. إذ تستعر الحرائق منذ أكثر من ثلاثة أشهر في غابات سيبيريا، وخلفت النيران سحابة سوداء من الرماد والسخام تعادل حجم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وقد شاركت وحدات من الجيش الروسي في إخماد النيران التي التهمت أربعة ملايين هكتار من غابات التايغا بسيبيريا، وغطت سحابة من الدخان الخانق المنطقة بأكملها، وساهمت الرياح في نشرها إلى ألاسكا وما بعدها. وطالت الحرائق أيضا غابات غرينلاند وألاسكا وكندا.

لكن فيليب هيغويرا، وهو عالم بيئي متخصص في الحرائق بجامعة مونتانا بالولايات المتحدة، يقول إنه لم يتفاجأ بحجم النيران المستعرة في الدائرة القطبية الشمالية، لأنه تنبأ هو وفريقه منذ عام 2016، استنادا إلى نماذج محاكاة بالكمبيوتر، بزيادة نشاط الحرائق في الغابات الشمالية وسهول التندرا بمعدل أربعة أضعاف بحلول عام 2100.

وذكر هيغويرا أن المعيار الذي وضعه الفريق لتحقق هذه النتيجة هو وصول متوسط درجات الحرارة في شهر يوليو إلى 13.4 درجة مئوية على مدى 30 عاما، كما حدث في سهول التندرا في ألاسكا في الفترة بين عامي 1971 و2000. ويتوقع هيغويرا زيادة عدد المناطق التي أوشكت أن تبلغ فيها درجات الحرارة هذه المستويات أو تتخطاها في ظل ارتفاع درجات الحرارة في العالم في العقود المقبلة.

وبينما يصف العلماء الحرائق بأنها جزء لا يتجزأ من الأنظمة البيئية، لأنها تحفز التنوع الحيوي وتساعد على تدوير المغذيات، فإن حجم الحرائق التي يشهدها القطب الشمالي لم يسبق له مثيل ويعد ظاهرة استثنائية. ويقول هيغويرا إن هذا يدل على مدى تأثير الأنشطة البشرية على النظام البيئي.

ويُرجع العلماء اندلاع هذه الحرائق إلى عوامل عديدة منها أن ارتفاع درجات الحرارة أدى إلى جفاف التربة وذوبان جليد الأراضي دائمة التجمد، والأغرب من ذلك أنه أدى أيضا إلى زيادة الصواعق التي تسببت في الكثير من حرائق الغابات في السنوات الأخيرة.

حرائق بطيئة
تقول سو ناتالي، وهي عالمة مشاركة في معهد أبحاث وودز هول بماساتشوستس التي تبحث في أسباب تغير المناخ وكيفية مواجهته، إن تداعيات الحرائق التي اندلعت في المنطقة مؤخرا بدت واضحة هذا الصيف في ولاية ألاسكا التي خيم عليها الدخان.

وتقول ناتالي إنها فوجئت باشتعال النيران أيضا في منطقة أراضي رطبة كانت تعمل بها.

وتؤثر الحرائق على الأنظمة البيئية في الشمال بأكملها، إذ تسببت في تلوث الهواء وانتشار الجفاف، ونمو أنواع من النباتات والأشجار في أماكن غير معهودة. وانخفضت أيضا أعداد حيوانات الرنة في الشمال بمقدار النصف بعد أن عجزت عن العثور على مصادر طعامها المعتادة.

وسيكون للحرائق تداعيات على الطقس العالمي أيضا. إذ تختزن الغابات الشمالية وسهول التندرا في القطب الشمالي، التي تغطي 33 في المئة من سطح الأرض، نحو 50 في المئة من إجمالي كمية الكربون المختزن في التربة في العالم، أي ما يفوق كمية الكربون المختزنة في جميع نباتات العالم.

ونظرا لبرودة الطقس في الشمال، فإن معدلات نمو الجراثيم والتحلل الطبيعي أبطأ بمراحل منها في المناطق الاستوائية، ولهذا يختزن الكربون في طبقات الأراضي دائمة التجمد.

وبعبارة أخرى، إذا احترقت الغابات وذابت سهول التندرا، قد تصل نسبة الكربون في الغلاف الجوي إلى مستويات غير مسبوقة، لن تجدي معها الجهود العالمية للحد من انبعاثات الكربون.

وعلى عكس حرائق الغابات، فإن الحرائق في الأراضي الخثية أو الأراضي الرطبة، تنتشر ببطء وبلا لهب عبر أوراق الشجر الذابلة، بمعدل نصف متر أسبوعيا. وقد تتسبب الصواعق بسهولة في اندلاع هذه الحرائق، ومن الممكن أن تظل متقدة دون لهب في البيئات الباردة والمبللة لفترة أطول، لأن الأراضي الخثية تختزن كميات ضخمة من غاز الميثان القابل للاشتعال.

ويهيء ارتفاع درجات الحرارة وجفاف الأراضي الخثية وتربة الغابات الشمالية الظروف المواتية لانتشار هذه الحرائق الخامدة.

وتقول ميريت تورتيسكي، وهي عالمة بيولوجيا بجامعة غويلف بأونتاريو، إن هذه الحرائق الخامدة التي تسري ببطء دون لهب لا يمكن إطفاؤها بمعدات إطفاء الحريق والطائرات، وحتى الأمطار لا تساعد دائما في إطفائها، ما لم تهطل كميات هائلة من الأمطار.

لكن الأمطار المعتدلة المصحوبة بصواعق قد تزيد الأمر سوءا بسبب الميثان في مادة الخث.

من خزان إلى مصدر
ونبهت تورتيسكي وأخرون إلى أن الغابات الشمالية ستتحول من خزانات للكربون، تمتص الكربون من الغلاف الجوي عبر التمثيل الضوئي، إلى مصدر لانبعاثات الكربون، تطلق الكربون عبر الحرائق والأراضي الجافة، لتسهم بذلك في رفع درجات الحرارة العالمية.

وتؤدي الحرائق المتكررة إلى تراكم الكربون في التربة. وتقول تورتيسكي: "المشكلة أن هذه الحرائق الكبيرة قد تنتشر في المنطقة وتتفاعل مع طبقات الكربون القديمة التي امتصتها التربة من الغلاف الجوي منذ آلاف السنين. ولتتخيل معي حجم تداعيات انطلاق مخزون الكربون منذ 100 ألف سنة في الغلاف الجوي".

لكن خبراء يقولون إن أغلب الحرائق في القطب الشمالي تستعر تحت الأرض. وتقول كارلي فيليبس، عضوة في اتحاد العلماء المهتمين بالبيئة، الذي لا يهدف للربح وتأسس بهدف الحفاظ على سلامة البشر وكوكب الأرض، إن الحرائق في القطب الشمالي تنتشر ببطء في الحث والوحل والتربة تحت سطح الأرض.

وقد تظل هذه الحرائق كامنة تحت الأرض طوال فصل الشتاء ثم تخرج إلى السطح في فصل الربيع في مناطق غير متوقعة بالمرة، فهذه الحرائق لم تنطفيء ولم تنشط.

لكن انحسار الأراضي دائمة التجمد وإطلاق الميثان وجفاف الأراضي الخثية وذوبان الجليد والحرائق المتقدة تحت الأرض والاحتباس الحراري، كلها عوامل تسهم معا في تغيير معالم القطب الشمالي.

وشاركت ناتالي في دراسة ميدانية من عام 2012 إلى عام 2016، أحرق خلالها الباحثون رقعات من الأراضي في سيبريا وغرسوا بذور أشجار صنوبرية في المناطق المحترقة وراقبوا سرعة نمو الشتلات. وفي عام 2017 لاحظوا أن شتلات الأشجار الصنوبرية انتشرت في الأراضي التي شهدت الحرائق التجريبية بمعدلات أعلى بخمسة أضعاف مقارنة بسائر أراضي المنطقة.

وقد يترتب على هذه الحرائق تغيرات جوهرية في توزيع النباتات في القطب الشمالي، إذ ستتقلص مساحة الغابات الصنوبرية وتنمو الأشجار التي تتساقط أوراقها في فصل الخريف بكثرة.

التداعيات العالمية
ستؤثر تغيرات الغابات الشمالية والقطب الشمالي على كوكب الأرض بأكمله.

ويقول مارك مارينغتون، كبير العلماء بخدمة كوبرنيكوس لمراقبة الغلاف الجوي التابعة لنظام معلومات حرائق الغابات الأوروبية، إن الحرائق في منطقة واحدة تؤثر على جودة الهواء في سائر أنحاء العالم.

وينبه مارينغتون إلى أن ترسب الجسيمات السوداء أو السخام الناتج عن الحرائق على الجليد، قد يضعف قدرته على عكس أشعة الشمس، وهذا يؤدي إلى زيادة كميات الحرارة وأشعة الشمس التي تمتصها الأرض.

وعن فرص وقف انتشار هذه الحرائق، يقول هيغويرا، إنه من المستحيل منع حدوث هذه الحرائق مستقبلا، شأنها كشأن الأعاصير.

ومن الصعب أيضا مكافحة الحرائق في هذه المناطق الشاسعة والنائية التي تفتقر للبنية التحتية. لكن تورتيسكي تقول: "إن جمع الأموال لإخماد جميع حرائق الغابات الشمالية لن يجدي نفعا. بل كل ما بوسعنا أن نفعله الآن هو بذل جهود للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أو القضاء عليها تماما الآن وليس في غضون 10 سنوات.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: