إعلان

أزمة كهف تايلاند: ما تأثير البقاء في "الظلام" على صحة الصبية العالقين؟

04:34 ص السبت 07 يوليه 2018

سيكون استخدام مصادر إضاءة صناعية مفيداً للعالقين ف

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(بي بي سي):

كيف يمكن أن يتأثر الصبية الـ 12 ومدربهم، العالقون جميعاً في كهفٍ بشمالي تايلاند، بحرمانهم من التعرض لضوء النهار، خاصةً وأنهم قد يظلون محاصرين هناك لفترة طويلة؟ ليندا غَديس تستعرض في السطور القادمة ما يعرفه العلماء في هذا الشأن.

يشكل مجمع الكهوف، الذي تغمره المياه ويُحاصر فيه الصبية الاثنا عشر ومدربهم لكرة القدم على عمقٍ كبير في شمالي تايلاند، مكاناً مظلماً ورطباً، وتعد محاولات الفرار منه محفوفة بالمخاطر. لكن لحسن حظ هؤلاء العالقين، بات العالم الخارجي على علمٍ بمكانهم في أعماق ذلك الكهف.

ومنذ أن كُشِفَ يوم الاثنين الماضي أن الصبية ومدربهم لا يزالون على قيد الحياة، أُرْسِلت أطعمةٌ لهم، وأكدت الفحوص الطبية أن لا أحد منهم يواجه مشكلات صحية خطيرة.

لكن في ظل الأمطار التي يُتوقع هطولها على منطقة الكهوف خلال الأيام القليلة المقبلة، يحذر مسؤولون عسكريون تايلانديون من أن انحسار المياه التي تغمر تلك المنطقة إلى مستوى يسمح للمحاصرين فيها بالنجاة بأنفسهم والعودة إلى سطح الأرض، قد يتطلب فترةً ربما تصل إلى أربعة شهور.

وبعيداً عن مشاعر الصدمة النفسية التي قد تصيب الصبية التايلانديين هؤلاء جراء مرورهم بمحنة البقاء محاصرين تحت الأرض بمئات الأمتار، قد يُحْدِث حرمانهم من ضوء النهار تأثيراتٍ غير معتادة على إحساسهم الداخلي بالزمن وإدراكهم له.

ومن شأن هذه التغيرات تعريض أولئك الصبية لخطر الإصابة بالاكتئاب والأرق، بل ويمكن أن تقود إلى حدوث شقاقٍ بينهم. فما الذي يعرفه العلماء عن الكيفية التي ستتفاعل بها أجساد هؤلاء الصبية وأذهانهم مع الظلام الذي يقبعون فيه، وهل هناك تدابير يمكن أن تساعدهم في هذا الصدد؟

بداية، هذه ليست المرة الأولى التي يعيش فيها أناسٌ معزولين في مجمعٍ للكهوف لفترة طويلة. ففي عام 1962، عَمِدَ عالم جيولوجيا فرنسي يُدعى "ميشيل سيفر" إلى عزل نفسه لمدة شهرين في مجرى نهرٍ جليديٍ متجمدٍ تحت الأرض، اكتشفه هو نفسه قرب مدينة نيس.

وترك "سيفر" لجسده - وما يحس به - العنان ليُملي عليه سلوكه وتصرفاته طوال تلك الفترة، التي حُرِمَ خلالها من ضوء الشمس أو أي زياراتٍ من العالم الخارجي، كما لم تكن بحوزته فيها ساعاتٌ أو تقاويم تساعده على حساب الزمن.

ودأب الرجل خلال هذين الشهرين على تسجيل كل أنشطته كتابةً، ومهاتفة فريقه على سطح الأرض في كل مرةٍ يستيقظ فيها أو يأكل، وكذلك قبل أن يخلد مباشرةً للنوم. ورغم كل هذا القدر من التواصل، لم يكشف له أحدٌ عن الوقت في أي مرةٍ من تلك المرات.

ولذا، فعندما اتصل به زملاؤه في نهاية المطاف لإبلاغه بأن الشهرين قد انقضيا، قابلهم "سيفر" بعدم تصديق، فقد كان مقتنعاً بأنه لم يمض عليه سوى شهرٍ واحدٍ، نظراً إلى أن إدراكه النفسي للوقت والزمن، تشوه بفعل وجوده في الظلام طوال الوقت.

الأمر لم يختلف كثيراً عندما اكتشف الغطاسون المكان الذي يقبع فيه الصبية التايلانديون قبل أيامٍ قليلة، فأحد الأسئلة الأولى التي طرحها الصبية العالقون تمحور حول كم من الوقت مضى عليهم وهم في مكانهم هذا.

وكشفت المذكرات التي دونّها "سيفر" النقاب عن ظاهرةٍ أخرى مثيرةٍ للاهتمام، تتمثل في أن دورة الاستيقاظ/النوم الخاصة به تحت الأرض، لم تكن تستغرق 24 ساعة كما هو معتاد، بل بلغ طولها 24 ساعة وثلاثين دقيقة، وذلك بالرغم من أنه قضى ثلث وقته تقريباً نائماً أثناء تلك الفترة، كما هو حاله في حياته الطبيعية فوق الأرض. يعني ذلك أن هذا الرجل كان قد بدأ يعيش في منظومةٍ زمنيةٍ داخليةٍ خاصةٍ به، بدلاً من السير حسب المنظومة التي يلتزم بها أغلبنا في حياتنا اليومية، والتي ترتبط بشروق الشمس وغروبها.

ويمكن أن نلاحظ وجود ظاهرةٍ مماثلةٍ لدى فاقدي البصر تماماً. فرغم أن التوقيتات الدقيقة لـ"الساعة الداخلية" لدى كلٍ منهم ليست متطابقة إذ تقل دورة الاستيقاظ/النوم الخاصة ببعضهم قليلاً عن 24 ساعة، وتزيد لدى البعض الآخر لتشارف الـ 25 ساعة، فإنهم يتفقون جميعاً على كونهم قد باتوا منفصلين كليةً عن الدورة الزمنية للعالم الخارجي، وتبدأ دورة نومهم في الابتعاد عن أي نمطٍ منتظمٍ، سواءٌ كان النمط الطبيعي المعروف المتمثل في النوم ليلاً والاستيقاظ نهاراً، أو أي شكلٍ آخر اصطناعيٍ، وهو ما يجعل أوقات خلودهم إلى النوم واستيقاظهم منه، تتغير في كل يومٍ عن الآخر.

فقد يستيقظ شخصٌ ما - تبلغ مدة دورة الاستيقاظ/النوم لديه 24 ساعة ونصف الساعة - في يومٍ ما في الثامنة صباحاً، ولكنه يفتح عينيه في اليوم التالي في الثامنة والنصف، ويصحو في اليوم الثالث في التاسعة، وهكذا حتى يصل إلى مرحلة يظن فيها جسده بعد أسبوعين من ذلك، أن الساعة تدق الثامنة مساءً وهي الثامنة صباحاً في حقيقة الأمر.

ويُطلق طبياً على هذه الحالة اسم "اضطراب الاستيقاظ والنوم غير المرتبط بالدورة المؤلفة من 24 ساعة"، وتتسم بأنها تشهد فتراتٍ من النوم الهانئ - عندما تكون الساعة الداخلية للمرء متماشيةً إلى حدٍ كبير مع المنظومة الزمنية التي تحكم العالم الخارجي - تتلوها أخرى تشهد نوماً مشوشاً بشكلٍ لا يحتمل خلال الليل، وشعوراً بالنعاس المفرط أثناء النهار.

ويشبه البعض الإصابة بتلك الحالة، بأن يحيا الإنسان وهو يعاني بشكلٍ مستمرٍ مما يُعرف بـ" اضطراب الرحلات الجوية الطويلة"، الذي يؤثر سلباً على ساعته البيولوجية.

وتنتج هذه الإيقاعات الداخلية المتعلقة بالإحساس بالزمن من مجموعةٍ محدودةٍ من الخلايا موجودة في النسيج الدماغي ويُطلق عليها اسم "النواة فوق التصالب البصري".

ويمكن للمرء أن يضربها إذا حفر ثقباً بعمق سنتيمترين (0.8 بوصة) تقريباً بين حاجبيْه. ويتمثل الرابط بين هذه البقعة والعالم الخارجي في مجموعةٍ من الخلايا الحساسة للضوء الواقعة في الجزء الخلفي من شبكية العين. ويُطلق على هذه الخلايا اسم "خلايا العقد العصبية الموجودة في الشبكية والحساسة بطبيعتها للضوء".

وهكذا، فإذا كانت الساعة الداخلية لك، تعمل على نحوٍ أسرع قليلاً من دورة الاستيقاظ/النوم المعتادة، أو أبطأ بعض الشيء منها، فإن ذلك يُعاد ضبطه بمجرد تعرض عينيْك لأشعة الشمس يومياً، إذ يصبح ذلك بمثابة ضغطٍ لزر إعادة تشغيل لمنطقة "النواة فوق التصالب البصري"، وإبقائها متزامنةً ومتوافقةً مع دورة النهار/الليل الموجودة في العالم الخارجي.

ولكن الصلة بين تلك المنطقة وأشعة الشمس تنقطع، إذا حوصر المرء تحت الأرض، أو أصيب بأضرارٍ في عينيه بقدرٍ جسيمٍ، جعل مخه لم يعد قادراً على الإحساس بالضوء أو تسجيل مؤشراته. نتيجة لذلك ستبدأ دورة النوم والاستيقاظ لدى هذا الشخص في الابتعاد عن التوافق مع أي نمطٍ ثابت، وهو ما يحدث بالقطع مع الصبية التايلانديين في الوقت الراهن.

ففي ضوء ما هو مُرجح من وجود اختلافات فيما بينهم على صعيد الإحساس بالزمن، ومستوى وتيرة الساعة الداخلية لدى كلٍ منهم، ستختلف بالتبعية أوقات شعورهم بالنعاس أو اليقظة، وتتباعد شيئاً فشيئا.

وقد يفضي ذلك إلى حدوث مشكلات في المكان محدود المساحة الذي يقبعون فيه حالياً، وذلك إذا ما كان بعضهم يرغبون في النوم، في وقت يشعر فيه آخرون منهم أيضاً، بأنهم في كامل اليقظة والانتباه.

من جهة أخرى، ثمة "ساعاتٌ داخليةٌ" في أنسجةٍ أخرى من جسم الإنسان، وعادةً ما تبقى متوافقةً مع بعضها البعض، بفضل "النواة فوق التصالب".

ولهذا فإن ارتباك "توقيت" هذه المنطقة - جراء مرورك بتجربة البقاء محاصراً تحت الأرض مثلاً - قد يُربك "توقيتات" باقي الساعات كذلك. ويُربط بين مثل هذا الاضطراب للإيقاع البيولوجي للمرء - الذي يقوم في الأساس على التوافق مع دورة النهار/الليل الطبيعية - بإصابته بالاكتئاب والأرق، والاضطرابات الأيضية والهرمونية، وتدهور القدرة على التركيز.

لكن هناك ترياقاً يمكن اللجوء إليه لمساعدة المحاصرين في المنجم التايلاندي، وذلك بالاستفادة من تجربةٍ سبق أن شهدتها شيلي للتعامل مع أزمةٍ مماثلة، وقعت عام 2010، وحوصر خلالها 33 من عمال المناجم في منجمٍ للنحاس لمدة 69 يوماً.

ففي ذلك الوقت، أُنْزِلتْ في الكهف مصادر إضاءةٍ خاصة، تتوافق عمليات إنارتها وإطفائها مع دورة النهار/الليل التي تستمر 24 ساعة، وذلك في محاولة لمحاكاة تلك الدورة الطبيعية التي يشهدها العالم الخارجي.

من هذا المنطلق يمكن اتباع استراتيجية مماثلةٍ في تايلاند، يجري في إطارها تشغيل مصادر إضاءة صناعية خلال ساعات النهار بشدة سطوعٍ كافية، وذلك لـ"خداع" منطقة "النواة فوق التصالب"، ودفعها لإعادة تشغيل نفسها بفعل التعرض لهذه الإضاءة الشبيهة بأشعة الشمس، وهو ما يجعل هذه المنطقة تتوافق زمنياً مع العالم الخارجي، ويُبقي بالتبعية على التوافق والتزامن بين توقيتات "الساعات الداخلية" الأخرى الموجودة في الجسم.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: