إعلان

تغطية التفجيرات في تركيا: كل يوم يزداد الشعور بالمأساة أكثر

11:22 م السبت 07 يناير 2017

أولاس أريك (في الوسط) يبكي على فقدان والده يوم تشي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(بي بي سي)

هي أيام فقط مرت على جنازة الأب، لكن بالنسبة للابن أولاس أريك، هي بداية للغرق في الأحزان: والده الذي يعمل سائق سيارة اجرة نقل ذلك المساء عددا من السواح إلى ملهى ريينا، لكنها كان رحلة دون عودة التي لن يره بعدها.

في الوقت الذي كانت الاحتفالات بالعام الجديد تتواصل داخل ملهى ريينا، كان أيهم ينتظر في الخارج، يشرب الشاي رفقة أحد رجال الشرطة، وفي تلك اللحظات ظهر المهاجم الذي أطلق النيران في الخارج قبل أن يتوجه إلى دخل الملهى واصاب أيهم برصاصة في الرأس، وقتله على الفور.

في ذلك البرد القارس الذي صاحب احتفالات العام الجديد، كنا نقف في أحد مساجد إسطنبول، في جنازة، ألقى فيها أولاس وعائلته النظرة الأخيرة على والده الذي قتل في الهجوم على الملهى.

كان الولد الذي لا تتجاوز سنه الرابعة عشرة يقف إلى جانب النعش، المسجى فيه والده، والمغطى بالعلم التركي.

كان خاشعا يبكي، وهو يلمس بيديه العلم الأحمر، الذي يحمل رمز الدماء التي سالت في يوم ما من التاريخ من أجل تحرير تركيا. لم يتمالك نفسه وقفز فوق النعش من شدة الحزن على والده.

وأنا اقف بين الصحفيين والمعزين في الجنازة، أدركت إلى أي مدى تكرر هذا المشهد في تركيا في السنة الماضية، وكذا كم من الجنازات تكررت وكان يمكن للمرء أن يقف فيها، في وقت ضرب الإرهاب أرجاء تركيا بشدة، كما شعرت أيضا بالمدى الذي يجعلنا نحن الصحفيين - بحكم المهنة- نتطف على أحزان الآخرين واللحظات المؤلمة في حياتهم الشخصية.

طريقنا إلى هنا لتغطية الحدث، من الواضح أنها طريق تتلبسها المآسي، من حيث أننا ننتقل من مشرحة حفظ الجثث، إلى زيارة منازل المفجوعين، والوقوف في الجنازة، وفي كل مرة يكون التأثر بكل ذلك أكبر.

توفانا تيكسافول مثلا واحدة من أولئك الذين نجوا، إذ اختبأت في الحمام وقت إطلاق النار داخل الملهى، من أجل النجاة من الموت.

قالت لي، وعيناها تبدوان متعبتان من كثرة الأرق والسهاد، كيف أن التيار الكهربائي انقطع بشكل مفاجئ، واعتقدت في تلك اللحظة أن المهاجم سيفجر نفسه داخل الملهى.

قالت توفانا: "ارسلت برسائل نصية قصيرة إلى أصدقائي، وقلت لهم إنها النهاية... أحبكم كثيرا... الوداع".

ثم جاءت كلمات سوزان ارسفين، المحزنة وشديدة الوقع، والتي فقدت صديقها مصطفى في الهجوم. كتبت سوزان: "فقدت نصفي الآخر... صديقي... حبي".

مآسي تزداد يوما بعد يوم
كل هذا الحزب والأسى يضاف إلى المأساة الوطنية في تركيا: 28 هجوما في عام واحد، نصف تلك الهجمات قتل فيها 500 شخص.

كانت الحكومة التركية تقول عقب كل هجوم: "إن تركيا ستهزم الإرهاب".

يمكن أن يتفهم المرء أن من واجب السياسيين أن يدلوا بتصريحات كهذه، لكن تلك الكلمات تفقد معناها، في كل مرة تتذكر تلك الهجمات.

لكن يوجد هنا تحد لما يحدث: فبعد التفجيران المتزامنين في ملعب بشيكتاش لكرة القدم في إسطنبول الشهر الماضي، وقف الكثير من الناس خارج الملعب لعدة أيام، وقالت لي إحدى السيدات في حينه: "الإرهابيون يريدون منا أن نبقى داخل بيوتنا، وأن لا نخرج لنستمتع بحياتنا، وإذا فعلنا ذلك فسيكونون هم الرابحون في نهاية الأمر".

إلى جانب ذلك التحدي، توجد أيضا مشاعر الخوف العميق، وهو أن المدينة التي تعد مقصدا للسواح للترفيه عن أنفسهم في احتفالات رأس السنة الميلادية، باتت مدينة يسيطر عليها الرعب.

رجال من الشرطة ومن الجيش ينتابهم القلق من أن يتحولوا إلى هدف للقتل وهم يقومون بدوريات في إسطنبول، وأن مدينتهم تحولت من ركن مستقر من أركان الشرق الأوسط العديدة، إلى بؤرة ساخنة.

وقالت لي صديقة أخرى إنها لن تفكر في ركوب ميترو الأنفاق في إسطنبول مرة أخرى، بعد الذي جرى، وآخر يريد أن يتجنب الحفلات والتجمعات العامة مستقبلا.

كانت إسطنبول على رأس قائمة المدن في العالم، التي يجب على السواح زيارتها، أما الآن فهي تعيش مرحلة تراجع للسياحة، وتخلي الشركات عن نشاطاتها هناك ومغادرتها.

ولو كان بوسع هذا البلد أن يتحد في أوقات المآسي هذه، لكان الوقع أخف على الناس، لكن تركيا حاليا تعيش فترة الانقسامات والغضب.

في الفترة التي سبقت الهجوم على ملهى ريينا، وصفت صحف مرتبطة بالمتشددين الإسلاميين احتفال المسلمين بأعياد رأس السنة الميلادية، بأنها إهانة لقيم المسلمين، وبعضها عرض صورة لبابا نويل وهو يتلقى اللكمات.

الجرأة في توجيه الانتقادات إلى سياسات الحكومة في تركيا، تشبه هز عش الدبابير، إذ تطلق العنان لكثير من التعليقات والاعجاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم أر مثله في السابق.

ويصر أنصار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أن الغرب ترك البلاد تواجه الإرهاب لوحدها، بينما تروج الصحف التركية الموالية للحكومة لنظريات المؤامرة، التي تقول إن المخابرات الأمريكية (سي أي أي) تقف وراء الهجمات.

الخوف والتحدي
ونشرت إحدى الصحف صورة للرئيس الأمريكي باراك اوباما، تمثل وجهه بنصفين أحدهما لأوباما والنصف الآخر للقاتل الذي نفذ هجوم الملهى.

وكان أحد مشاهير التصميم والموضة تم ترحيله من شمال قبرص إلى تركيا، والسبب هو تغريدات على موقع تويتر اعتبرت ناقدة ومهينة لتركيا، كان في استقباله جمع من المواطنين المنددين بتلك التغريدات تعرضوا له بالضرب، وكانوا على علم مسبق بموعد هبوط طائرته.

اعتقل الرجل من طرف الشرطة التركية، وأودع السجن، بينما يوجد ذلك الجمع من "البلطجية" طلقاء.

تركيا البلد الجميل والساحر، باتت الكآبة تخيم عليه، ولا أحد يعرف إلى متى سيبقى على هذا الحال.

ويواصل الناس أعمالهم ويقومون بأنشطتهم اليومية كالمعتاد، لكن في كل مرة أسمع فيها منبه الأخبار العاجلة على هاتفي المنقول/ دائما ينتابني التساؤل إن كان الأمر الخبر العاجل يتعلق بانفجار أو هجوم جديد.

في الثقافة التركية، يوجد مثل شائع يعبر عن التعافي والشفاء العاجل، لكن في الوقت الراهن ما يوجد على لسان كل شخص في تركيا هو المثال القائل باللسان التركي "غيشمش أولسون" وهو بمثابة الدعاء بأن "تعبر هذه الأزمة بسلام.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: