إعلان

صراع الأقلام بين مصر والسعودية.. اتجاهات معاكسة لـ"الدبلوماسية الرسمية"

07:39 م الأربعاء 12 أكتوبر 2016

صراع الاقلام المصرية السعودية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - أحمد جمعة ومحمود أحمد:

في أوقات الصراع الخافت بين مصر والسعودية، تبارت بعض الأقلام في صراعات بينيّة؛ هذا يدافع عن مملكته وحكومته، وذاك يندفع في صد الهجوم وقلب طاولة النقد رأسا على عقب. هذا ما ظهر جليًا مع تصويت القاهرة على مشروعي قرار بمجلس الأمن؛ الأول "فرنسي" يقضي بنهاية فورية للضربات الجوية وطلعات الطائرات الحربية فوق مدينة حلب، دعمته الولايات المتحدة ودول أوروبية وعربية، والثاني "روسي" لإحياء اتفاق وقف الأعمال القتالية لكنه لم يطالب بوقف الغارات الجوية، وأيّده المندوب المصري أيضًا.

سويعات قليلة مرّت على إنهاء الجلسة بفشل دولي لإصدار قرار بشأن سوريا، دفعت مندوب السعودية إلى وصف التوجّه المصري بـ"المؤلم"، لتهرول خلفه الأقلام السعودية انتقادًا للدبلوماسية المصرية، وتقابلها مقالات صحف القاهرة بغضب جم.

بشكل واضح وصادم، وجد الكاتب السعودي "سعود الريّس" لقمته السائغة لينعش صفحات "الحياة اللندنية" بسهامه الهجومية اللاذعة عن قاهرة المعز، يتساءل عن ماهية القرار المصري في نيويورك، ويزيد في ذلك ليقول إن "إشكال مصر اليوم أنها ما زالت تعيش أوهام قيادة العالم العربي".

____ 1

يُضيف "الريّس" القول إن "مصر لم تعد مهيأة - لا سياسياً ولا اقتصادياً- للقيادة، وخلاف ذلك فإن تركيبتها الداخلية لم تتمكن من مواءمة متطلبات شعبها، لذلك فهي غير موجودة أصلاً في القضايا العربية، حتى في الدول التي تقع على حدودها تجدها مغيبة بالكامل، فكيف بالدول الأبعد (...). كنت تحدثت عن إخفاق وعجز الدبلوماسية المصرية عن صيانة علاقاتها بالدول الإقليمية، اليوم أجدد ذلك، وأضيف: ليست الدول الإقليمية فحسب، بل حتى دول العالم".

بالعودة قليلًا إلى ما خطه "الريّس" في "الحياة" فإنه تداخل صراحة فيما يطرحه كُتاب القاهرة، ففي مارس من العام الجاري كتب تحت عموده بذات الجريدة "مصر.. مقاومة الأزمات أم ممانعتها؟"، انتقد موقف أحمد السيد النجار، رئيس مؤسسة الأهرام (أكبر المؤسسات الصحفية المصرية) من إيران، واشبتك معه في سجالات مفتوحة.

هذا الاشتباك دفع "الريّس" للحديث عما وصفه بـ"الصورة المشوشة للسياسة المصرية". ويقول: "لا أستغرب أن يكن (النجار) ومحسوبون على الإعلام المصري كل هذا العداء للسعودية والخليج (...)، إذ بات لافتاً اليوم أن خطاب بعض إعلاميي مصر، لاسيما التابعين للمؤسسات الرسمية وذهابهم في اتجاهات تتناقض مع مبادئ شعاراتهم التي نموا عليها، يدلل على أن الصورة المشوشة للسياسة المصرية وتناقضاتها تتجاوز الداخل المصري. وينكشف ذلك في شكل أكثر فجاجة من خلال دبلوماسيتها العاجزة عن صيانة علاقاتها بالدول الإقليمية".

وضرب "الريّس" مثلًا بمواقف مصر "المتناقضة" بالحديث عن التدخل البري في اليمن عبر التحالف العربي الذي تقوده المملكة السعودية، ومعارضة مصر "المُعلنة" عبر رئيسها ووزير خارجيتها لذلك استنادًا لخلفيات عسكرية في الستينات، ثم ممانعة التدخل العسكري في سوريا على خلفية دعوة السعودية لتدخل بري دولي في مواقع هناك، لكنه يعتبر هذا الموقف "خللاً ما يقف حائلاً أمام استيعاب البعض للسياسة السعودية، الأمر الذي يدفعهم للذهاب إلى الضفة الأخرى، وقد نفسر بعض المواقف بأنها تتخذ من منطلق قومي، لكن الاصطفاف مع حزب الله وبشار وإيران يقول عكس ذلك".

____ 2

ولنترك "الريّس" قليلًا إلى ما هوّ أبعد من ذلك، فجمال خاشقجي المقرب من البلاط الملكي وأحد المبشرين بالسياسات السعودية، تحدث في غير مرة عن العلاقات بين "الأشقاء"، ووصف توقيت توقيع اتفاقيات ترسيم الحدود بين البلدين -وتأويل ملكية جزيرتي "تيران وصنافير" إلى الرياض تباعًا- بـ"الأنسب"، لـ 4 أسباب شرحها في مقالته "باب ما جاء في حسن الجيرة"؛ أكد خلالها أن العلاقة بين البلدين في أوجها، والرئيس عبدالفتاح السيسي يمتلك الشعبية والقدرة اللازمة لتمرير قرار كهذا، والثاني، أن الرياض باتت القوة الأهم في المنطقة، وحان وقت تحمّل مسؤوليتها في تلك المنطقة الحساسة، التي تتمتع فيها إسرائيل بقوة ونفوذ لا تستحقه.

في نوفمبر من العام المنصرم جنح "خاشقجي" إلى الغوص في عمق العلاقات بين القاهرة والرياض، وقال "إننا لا نخدم مصر ولا قيادتها بهذا الصمت، فهي تحتاج إلى كلمة حق، لقد حان الوقت لأن نقرأ الصورة المصرية كما هي، ليس كما نتمنى"، ثم تكلم بلا حدود وقرأ الصورة وعنوّن إحدى مقالاته التي نشرها بـ"الحياة اللندنية" أوائل العام الجاري "إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا"، دعا خلالها الدبلوماسية السعودية إلى أن "تجعلها مقياساً نعرف به من هو معنا ومن هو ضدنا. لكل الدول حساباتها ومصالحها وظروفها الداخلية، ولكن في المعارك الكبرى لا تُقبل المواقف الرمادية".

وسبق ذلك أن قال خاشقجي إن "مصر لا تزال حائرة تقف برجل هنا ورجل هناك، ولكن استمرار التدافع سيضطرها إلى اختيار معسكر من دون آخر، إذ لن تستطيع ولن يقبل منها الوقوف في مكانين في وقت واحد، ولعل هذا يفسر الموقف السعودي الصابر على تجاوزات الإعلام المصري المعبّرة عن رأي القوى داخل النظام المتجهة شرقاً".

النقد.. بالنقد

لم تجف أقلام الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، عن التأكيد أن جزيرتي تيران وصنافير مصريتان إلى الأبد، فقد امتلأت مقالاته في صحيفة "المقال" التي يرأس تحريرها، على هذه الصفة الملازمة للجزيرتين. فـ"عيسى" لم يكتف بالتأكيد على مصرية الجزيرتين، بل سلّح قلمه للهجوم على المملكة باعتبارها تسعى للحصول على أرض لا تملكها، وطالب القيادة السياسية المصرية بضرورة إشراك الشعب في القرار حول الجزيرتين.

لم يقف "عيسى"، عند القلم فقط بالدفع عن الجزيرتين، بل أكد مرارًا عبر شاشة برنامجه "مع إبراهيم عيسى"، المذاع على فضائية "القاهرة والناس"، أن السعودية لا تطيق موقفا قياديًا ومستقلًا لمصر، وترغب في أن تكون السياسة المصرية ملحقة بها دائمًا، وفقًا لقوله. وأضاف خلال تقديم برنامجه، أمس الثلاثاء - إن القرار المصري ظل ملحقًا بالقرار السعودي منذ 30 عامًا، مشيرًا إلى تخلي مصر عن دورها القيادي في الوطن العربي، وتخليها أيضًا عن دورها في تجديد الخطاب الديني، حسبما قال. اخذ عيسى في حديثه اتجاهًا أخر، باتهام المملكة العربية السعودية بأنها قادت غزوًا وهابيًا لا يمكن إنكاره ضد مصر، وأن هذا الغزو نجح في مصر وتمكن منها، وأصبح هناك لوبي سعودي مذهل اسمه السلفية".

رئيس تحرير جريدة "المقال"، منذ الحديث عن اتفاقية ترسيم الحدود، وهو يتحدث عن محاولة السعودية لفرض سيطرتها على مصر، وشن في عدد كبير من مقالاته هجومًا على الحكومة المصرية، حتى وصل الأمر أن وصفها بأنها "أقسمت يمين ولاء أنها ستسلم إلى السعودية تيران" و"صنافير، اللتين يعتبرهما الشعب والقضاء المصريين أرضهما".

وفي مقاله بتاريخ 22 يونيو الماضي، بجريدة "المقال"، قال إن "تيران" و"صنافير" اختبار مذهل للجميع، من الرئيس حتى أصغر متظاهر محكوم عليه بتهمة التظاهر دفاعا عن مصرية "تيران" و"صنافير"، مضيفًا: "الذين يرون أنهما مصريتان ينتصرون للدستور الذي ينص على أن القرار للشعب في استفتاء، حيث إن التنازل عن حقوق السيادة باطل دستوريا، وها هو حكم القضاء قد أنصفهم في مواجهة حملات التشهير والتشويه". وأردف: "والذين يرون أنهما سعوديتان ينتصرون للتحايل على الدستور، ويقدمون الاتفاقية على أنها قرار إداري، ومن هنا جاء حكم القضاء الإداري ليفضح حجتهم البالية تماما".

____ 3

بالنظر إلى الكاتب اليساري عبدالله السناوي، فإنه ذَكّر في أكثر من موضع بـ"الشقاق" بين القاهرة والرياض، كانت نبرته طبيعية، لم يُهاجم إلا عندما قرأ النقد "السعودي" مؤخرًا، فانسلخ عن هدوءه، ونازل في ساحة الكتابة "الكلمة بالكلمة.. والنقد بالنقد". حذّر ذات مرة في مقالته "تيران وصنافير.. الأزمة والبورة" من أنه "بالتداعى الطبيعي للتفاعلات سوف تتولد داخل القطاع الأوسع من الرأى العام المصري فجوات كراهية مع السعودية لم تكن موجودة من قبل في أي وقت تحت كل الظروف التي مرت فى العلاقات بين الدولتين".

"السعودية مأزومة بقدر ما مصر مأزومة"، هكذا ألح "السناوي" في رأيه، حيث تصوّر السعوديين -حسب قوله- أن هناك نصرا سهلا في مصر وهوّ "الوهم بعينه وعواقبه وخيمة على البلدين معا". لكنه بدا أكثر امتعاضًا من ذي قبل في مقالته "مشروع صدام عند منعطف" والتي نشرها أمس الثلاثاء بجريدة الشروق، وقال فيها "لم يكن هناك فى أية لحظة علاقات تستحق أن توصف بـ"التحالف الاستراتيجي" (...)، ليس هناك ما يبرر أى تعالٍ سعودي على مصر بالكلام الدبلوماسي المنفلت أو بتعليق الإمدادات البترولية كنوع من العقاب الاقتصادى فى أوقات حرجة، فالنتائج سوف تكون وخيمة على السعودية المأزومة فى الملفات الإقليمية والمستباحة بقانون «جاستا» الذى أصدره الكونجرس الأمريكى بما يشبه الإجماع".

وأضاف: "أرجو مخلصا التعقل قبل الانتقال من شبه تحالف إلى مشروع قطيعة، فالسعودية ليست قوة عظمى تملى وتأمر، ومصر ليست دولة هامشية تتلقى التعليمات صاغرة.. من غير المقبول بأى حساب أن يتحدث المندوب السعودي بالأمم المتحدة باستخفاف وخفة عن التصويت المصرى لصالح مشروع القرار الروسي من أنه "لا يعبر إلا عن نفسه".

____ 4

رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام، أحمد السيد النجار، كان له موقفًا واحدًا ثابتًا هو الأخر من مسألة "مصرية" تيران وصنافير، حينما قال "تيران وصنافير.. مصريتان إلى الأبد". النجار الذي أجرى "مصراوي"، اتصالًا هاتفيًا به – أكد أن يبعد هذه الفترة عن التصريحات الإعلامية، وفضل عدم الحديث في القضية، لكنه الرجل نفسه الذي أكد في "تدوينة" سابقة له، ترجع تاريخها إلى أبريل الماضي، عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك، عن الجزيرتين، أن "الوطن، أرض وحدود وعلم وبشر.. صخر وجبال ورمال وشجر.. تفاصيل عمًرها الحب والدفء والحماس والضجر.. مرابض للمدافعين حين تلوح نذر الخطر.. نقوش بالدم تروي قصص التاريخ والحضارة والقدر".

وتابع وقتها: "الوطن ليس غرفة للإيجار أو محطة سفر.. الوطن لا يُعار في الوغى ويُستعاد في السمر.. الوطن المزروع فينا.. لن تقتلعه توقيعات من حبر على ورق".

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج

إعلان

إعلان