إعلان

رمضان شهر القرآن

القرآن الكريم

رمضان شهر القرآن

09:27 م السبت 16 مايو 2020

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم: د. أحمد صبَّاح جمعة

عضو مركز الأزهر العالمى للرصد والإفتاء الالكترونى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الديـن وبعد..

فالقرآن الكريم: هو كلام الله تعالى العربي المنزل على سيدنا رسول الله  المتعبد بتلاوته، المتحدي بأقصر سورة منه، المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناس. ( ) هو ذلك القرآن المبين، والكنز الثمين، عمدة الملة، وأساس الدين، أودع الله سبحانه وتعالى فيه علم كل شىء، وأبان به الرشد من الغىّ، فهو ينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار، والبصائر، والعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة، فقدروى عَنِ النَّبِيِّ  أنه قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَاقْبَلُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، وَلَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَقُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، اتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ كُلَّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ وَلَامٌ وَمِيمٌ" ( )لقد جاء القرآن الكريم مقرراً للأحكام على نحو كلى مقرراً المبادىء العامة والقواعد الكلية ولم يتعرض للأحكام الجزئية إلا في الأمور التى تكون المصلحة فيها ثابتة لا تتغير بتغير الزمان أو المكان، وذلك كأحكام المواريث وأحكام الأسرة بصفة عامة، فيحتاج في الوقوف على حقائقه إلى الرجوع إلى السنة المبينة له، والشارحة لما خفى فيه، وهذا مما شرف الله به هذه الأمة، إذ لم يهمل عقولها، ولم يلقنها أحكام الجزئيات تفصيلاً كما كان الحال في الأمم السابقة، ولتكون الشريعة الإسلامية عامة، وقواعدها ثابتة لا يطرأ عليها بعد استقرارها نسخ ولا يعتريها تغيير.

وقد اختار الله سبحانه وتعالى –بحكمته البالغة – شهر رمضان المبارك ليكون موسم الصيام المفروض على المسلمين من كل عام ، وقد اشار القرآن الكريم إلى السِّر في اختيار هذا الشهر لهذه الفريضة المباركة ، ذلك أنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

وبين الصوم والقرآن صلة متينة، فقد ورث المسلمون سنة الاهتمام بتلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه، وإحياء القلوب به عن نبيهم  فقد كان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي هذا الشهر العظيم، وقد كان لهذا اللقاء أثره في تدفق الخير على يديه ، وجريانه أضعافا مضاعفة، يقول ابن عباس –رضي الله عنه –"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ".

والسبب في زيادة كرمه، ومضاعفة جوده، يرجع إلى أن التقاؤه بالروح الأمين جبريل عليه السلام، حيث كان يلتقي به كل ليلة من شهر رمضان فكان  يتوسَّع في البذل والعطاء فرحاً بلقائه، وشكراً لله تعالى على ذلك اللقاء، فكأنه كان يستضيف جبريل بكثرة إنفاقه على الفقراء ثم مدارسة القرآن حيث كان يلقاه جبريل في كل ليلة فيدارسه القرآن، أي يتناوب معه قراءة القرآن، فيقرأ جبريل عشراً، ويقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشراً آخر، أو يشتركان معاً في القراءة في وقت واحد، على طريقة القراءة الجماعية من المدارسة بمعنى المشاركة في القراءة. أو يكون معنى المدارسة " العرض " ومعناه أن يقرأ النبي وحده وجبريل يستمع إليه.

ولا شك أن للصيام أثراً عظيما في إعداد المسلم للعبادة، وتأهيله لجني ثمراتها، والانتفاع بخيراتها وبركاتها، فالنفوس به تصبح مستعدة للخير، راغبة في البر، كارهة للشر، نافرة من الفجور، وإذا كانت تلاوة القرآن عبادة لها أثرها وثمارها فإن هذه الثمار تكون أزكى وأنمى وأبقى إذا كان اقلب مستعدا والنفس متهيئة، وكأن هذه الحكمة كانت تجول في خاطر النبي  حين قر بينهما في أهما يشفعان لصاحبهما ، ويُشفعان فيه قال  "الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ، مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ "، قَالَ: " فَيُشَفَّعَانِ".

فكان هذا الشهر جامعا لجميع الخيرات والبركات، فطوبى لمن مضى عليه هذا الشهر، وقد رضي الله عنه، وويل لمن سخط عليه فمنع من الخير والبركات ، لقد أصبح رمضان بما شرع فيه من صيام، وسن فيه من قيام ، ورُغب فيه من عبادة وذكر، وتلاوة للقرآن الكريم، وصدقات وتراحم موسما فريدا من مواسم العبادة المتعددة المناحي، المتشعبة الجوانب.

إعلان

إعلان

إعلان