"عالحلوة والمرة".. حكاية عم عيد ورحلة 70 سنة مع حجر السن (صور)

البحيرة - أحمد نصرة:

مفترشًا رصيف أحد الأحياء الهادئة بمدينة دمنهور، جلس عم عيد متكومًا، تبدو عليه بوضوح علامات الشيخوخة ووهنها، على مقربة منه استقرت عربة خشبية متهالكة تحمل بقايا "حجر سن"، نال الدهر منها ومن صاحبها فتركهما معطلين عاجزين عن أداء وظيفتهما.

٧٠ عامًا من العمل الشاق في مهنة سن السكاكين كانت كافية ليترك الزمن آثاره على هذا العجوز التسعيني، وعربته العتيقة التي ظلت ملازمة له وكأنما اتفقا على التقاعد من العمل سويًا كما قررا معًا البدء به.

"شغال من وأنا عيل صغير على حجر السن، ألف بيه الشوارع، لكن دلوقتي مش بشتغل بإيدي لأن خلاص مفيش صحة، والناس اللي عاوزة تسن بيدوني السكاكين، وبروح أسنهم عند أي حد وأرجعهم تاني يوم، وأخد حسنتي منهم" بهذه الكلمات استهل عم عيد حديثه لمصراوي .

أضاف العجوز: "اتولدت في السيدة عائشة، بالقاهرة وجيت هنا من حوالي ٥٠ سنة، بنت عمي من مواليد دمنهور اتجوزتها واستقريت معاها من وقتها، وأنا بصحتي كنت بروح وآجي على القاهرة بس دلوقتي صعب، القاهرة زحمة ومواصلاتها صعبة مقدرش عليها، ودمنهور العيشة فيها أسهل".

يشكو عم عيد: "عندي مشكلة في عيني بسبب الرايش الناتج عن سن السكاكين، عملت عملية فيها لكن ماتابعتش علاجها لأن الدواء كان غالي، ودلوقتي مبقتش أشوف بيها خالص، والعين التانية بشوف بيها خفيف، وقال لي محتاجة عملية، وواحد طيب عرض يتحمل فلوسها بس خفت أعملها أحسن تروح هي كمان وما أشوفش خالص".

يكمل: "إيدي كمان وصوابعي فيهم مشاكل وتاعبني من سنين الشقاء والشغل" يتحدث عم عيد مبرزًا يدين تحولت أظافرهما إلى اللون البني"

يوضح: "كل يوم بقعد هنا من الساعة ٧ الصبح وأخرى أروح الساعة ١٠ أو ١١ قبل الشمس ما تحمى، وتتعب عيني السليمة اللي باقيالي".

توقفت إحدى السيارات وهبط منها قائدها متجهًا نحو عم عيد ليمنحه بعض الأموال، وعلق الأخير قائلًا: "أهل المنطقة كلهم عارفني، ودايمًا بيساعدوني كتر خيرهم، كمان الموظفين في المصالح إللي جنبي بيسألوا عليا لو يوم غبت وما قعدتش في مكاني إللي اتعودوا عليه".

ينهي عم عيد حديثه قائلاً: "حجر السن ده بيني وبينه عشرة عمر، سنين طويلة بنلف الشوارع وعايشين عالحلوة والمرة سوا، ولما ضعفت ومبقتش بعرف اشتغل، هو كمان عطل زي مايكون زعلان عليا، مش هاين عليا أنزل من غيره، فعملته عكاز أتسند عليه وامشي بيه".