إعلان

من عاشق برشلونة للنيابة: "مصر بالنسبة لي 50 بني آدم وقهوتين وكورة.. يعني إيه سياسة؟"

11:35 م السبت 04 يونيو 2016

محمد سلطان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-رنا الجميعي وعلياء رفعت:  

بثغرٍ ينفرج عن ابتسامة عريضة، ورِضا تام قالها مُعرِفًا نفسه "أنا راجل رايق بحب الكورة، مليش في السياسة، ومش مهتم أكوّن رأي عن أي حاجة بتحصل في البلد". مَنطقٌ يتعايش به "محمد سلطان" ولا يخجل منه، فهو الأصوب وسط ما تمر به البلاد من أحداث جنونية متلاحقة حسبما يرى.

"الرايق بتاع برشلونة" هكذا يُعرّفه الجميع -نافين عنه لقب "دكتور" الذي لا يُفضله كثيرًا، الأمرالذي دفع صديقته "ريم" لأن تعرض على عليه العمل بموقع "اتفرج" كصحفي رياضي. مُنذ ذلك الوقت أصبح لسُلطان روتين يومي لا يتغير، الكتابة عن الكرة كصحفي، ثُم الجلوس على القهوة مع رِفاقه، حيث الكرة محور حديثهم أيضًا، ويُنهي اليوم بالاستزادة من الثقافة الكروية بمشاهدة "الماتشات" الفاصلة في نهائي الدوريات العالمية، ليغفو بعدها سعيدًا قرير العين والقلب. ذلك الروتين المُعتاد انقلب فجأة رأسًا عقب القبض عليه من إحدى مقاهي شارع القصر العيني، يوم الخميس الموافق 21 إبريل.

"كنت راجع من فرح واحد صاحبي على القاهرة، وقابلت بسمة في قهوة غزال، بعدها قررنا نروح قهوة الفلاح نستني بقية صحابنا هناك"، موقف لا زال يذكره سلطان وكأنه الأمس، فبمجرد تحركه برفقة صديقته من "قهوة غزال"، حتى علم بالقبض على بعض روادها، فبعث برسائل لأصدقائه يحذرهم من التواجد في محيطها. في مقهى "الفلاح" انتظر سلطان وبسمة صديقتهم ريم التي ما إن وصلت وألقت التحية عليهم، حتى وصلت عقبها سيارة الترحيلات. انتشر رجال الأمن مُستفسرين عن هويات البعض ومنهم سلطان، ليقودوه بعدها إلى العربة برفقه آخرين.

ورغم أن المادة 73 من الدستور المصري تنص على أن "حق الاجتماع الخاص سلمياً مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولايجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه"، إلا أن سُلطان يؤمن بأن استخدامه لها كحق من حقوقه هو أشبه بالمستحيل، "بدل ما اروح باحترامي، كان هيشدني أمين الشرطة ويقولى حقوق إيه!، ده غير إنى كنت خايف ع البنات اللي معايا، فسكت وسمعت الكلام بهدوء".

2

لحظاتٍ ثقيلة مرت، لم يفكر فيها سلطان بشيء سوى الاطمئنان على انفلات أصدقائه من أيدي رجال الأمن، فور انطلاق عربة الشرطة، التي احتوت حوالي 17 فردًا كان ضمنهم وحده دون رفقة، كسا الحُزن ملامحه، لحرمانه من تفويت فرصة مشاهدة إحدى المباريات "كنت متضايق أوى انهم قبضوا عليَّ قبل ما ألحق اشوف ماتش الأرجنتين وألمانيا في نهائي كاس العالم 86، نزلت الماتش من ع النت وكنت مستني أتفرج عليه لما أروّح بليل"، إلى جانب بعثرتهم لمحتويات حقيبته التي تحوي أغلى ما يملك "تي شيرتات الكورة".

داخل عَربة الترحيلات بادر سلطان بسؤال الجميع إن مرّ أحدهم بتجربة الاعتقال من قبل، وحين جاءته الإجابة بالنفي، اتفق معهم على تحفيظ بعضهم البعض أسمائهم وأرقام هواتف ذويهم، إذ خرج أحدهم أعلم أهالي الباقيين بأماكن تواجدهم، "كنت خايف أختفى قسريًا، ومحدش يعرف مكاني، معرفش حال أهلي وأصحابي كان هيبقى عامل ازاى لما ميلاقونيش".

تتقدم العربة في طريقها الذي لا يعلم عنه الجميع شيئًا، وسلطان ينظر من فتحة شباكها الصغير فيرى عربات أخرى فوق كوبري أكتوبر، يتضاحك راكبيها وهم يرددون الأغاني، فيما يفكر هو بأنه ربما لن يمارس تلك الأشياء البسيطة مرة أخري، والأهم انه لن يعود قادرًا على لعب الكرة أو مشاهدة مبارياتها في حال اعتقاله.

3

قبل أن تتوقف العربة أمام قسم ثاني مدينة نصر بدقائق، كان راكبيها يقهقهون ضَحِكًا، ف"الرايق" سلطان قرر أن يهوّن عنهم قليلًا، مُلقيًا بإحدى نِكاته، بأن السبب في حظهم العثِر الذي قادهم للاعتقال؛ هو تشجيعهم لفريق "الأرسنال"، والذي فاز لأول مرة منذ فترة طويلة في اليوم الذي اعتقلوا فيه جميعًا، "عامل زي الزمالك كده دايمًا يخسر والناس بتحبه ويوم ما كسب اعتقلونا".

من أمام بوابة القسم قادهم أمين الشرطة فأجلسهم في طُرقة عرضها "متر في متر"، أمام أحد الحمامات في انتظار استجوابهم. تتصارع الأفكار برأس سُلطان، ويتحكم به هاجس واحد "لحظتها عرفت يعني إيه سجن، يعني كل الحاجات اللي بحبها مش هعرف اعملها تاني، بقى أقصى طموح عندي هو إني أخرج بس اقعد في الشارع".

"ادخل" قالها أمين الشرطة وهو يدفع بسلطان لغرفة التحقيق، ليستجوبه اثنان من الضباط عن شخصه، أهله، انتماءاته السياسية، آرائه، ومدى حبه للبلاد، " قولتله اه بحب البلد بس بحبها بطريقة مختلفة عنك، لأن مصر بالنسبة لى 50 بني آدم، قهوتين، وماتشات كورة، طول ما انت بعيد عن الحاجات دي، وناسي مش متكدرين مش هيفرق معايا لو ولعت في البلد أصلًا". بمنتهى التقائية والصراحة أجابهم سلطان على أسئلتهم، رغم عِلمه بحقوقه القانونية التى تقضى بعدم التحدث إلا أثناء تواجد محاميه الشخصي " كنت عارف إن ليا حقوق بإني أطلب محامى وأعمل مكالمة تليفون، لكن مفكرتش أعمل ده، لأني لو كنت عملته كان الظابط هيضحك وهيحفل عليَّ".

4

بعد انتهاء التحقيقات في اليوم الأول، حُبس سلطان داخل "التلاجة"* لست ساعات -والثلاجة هى مكان يتم فيه تجميع المعتقلين والسجناء بالقسم لحين توجيه كل منهم إلى المكان الذي سيتم حبسه فيه، ثُم انتقل إلى الحبس الانفرادي، حيث تحولت الأيام داخل السجن إلى حكمة يعيها جيدًا "الحبس بيعلم القسوة"، فيما كان يعد نفسه داخل تلك الظُلمة ألا يتغير "كنت بقول لنفسي إني ممكن مخرجش، بس كنت مُصِرعلى إني لو خرجت من باب القسم، أكون نفس الشخص اللي دخل".

في الثانية عشر والنصف صباحًا من اليوم التالي -الجمعة، جاءت الزيارة الأولى لسلطان ورفاقه، نفث الشاب زفرة راحة حينها "كانت لحظات سعادة خالصة، كدا أهالينا عرفوا احنا فين"، ومع قدوم يوم السبت كان موعد سلطان مع نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس في اليوم الثالث لحبسه، انتظر حتى علم برفض النيابة لعرضهم عليها، لعدم الاختصاص، فنقلوه إلى نيابة شرق القاهرة بالعباسية.

ظلّ سلطان منتظرًا حتى جاء وقت التحقيق معه، وفي ساعات الانتظار قدم صديقه "محمد ناجي" ليطمئن عليه، غير أن سلطان ما إن رآه عاجله بسؤال "برشلونة عاملة ايه يا ابني؟"، بدت ملامح الاستغراب على وجه ناجي "هو وانت في ايه ولا في ايه"، بعدها دخل سلطان المُرتدي لـ"تي شيرت" نادي برشلونة إلى وكيل النيابة، عُرض على النيابة ثُم المحكمة أربع مرات، وفي كل مرة أصر على ارتداء "فانلة" النادي، "دا اثبات موقف" يقولها ضاحكًا. أثار وكيل النيابة، بالعرض الأول أمامه عدد من الأسئلة من بينها مسألة جزيرتي تيران وصنافير، ثُم واجهه بالتهم الموجه له "أنا مش فاكر كل التهم بس قالي منها قلب نظام الحكم فضحكت وقولتله اني معرفش اسم رئيس الوزرا أصلاً". أثناء التحقيق تجاذب وكيل النيابة الحديث بشكل ودي مع الشاب العشريني فعلم بشغفه الشديد بالساحرة المُستديرة "قالي ريال مدريد كسب تلاتة اتنين، وبرشلونة هيلعب كمان ساعتين"، ليرد الشاب بعدها بوجه ضحوك "طب خلوا حد يتابع عشان يقولنا النتيجة".

5

تم تجديد الحبس لأربعة أيام، وتسلّم سلطان حقيبته التي أخذها منه ضباط الشرطة قبلًا، فتحها وارتاح لرؤية الـ"تي شيرتات" داخلها، ومع أول زيارة التقى فيها بأهله، أعطاها لهم، ومع ذلك تهادى سلطان بقمصان رياضية أخرى من أصدقائه ليخففوا عنه. داخل السجن، كانت الزيارات هي أصعب اللحظات التي مرّت عليه "الناس بتشوفك في موقف متحبش انهم يشوفوك فيه"، عشرون ثانية هي مجمل وقت الزيارة المحددة لسلطان "يدوبك كنت بلحق أسلم ع الناس" ولهذا كان يرغب بأن تطول الزيارة لعشر دقائق فحسب، ليملك فُسحة من الوقت يطمئن بها على أحوال الأهل والأصدقاء، أما أسعد لحظاته فكانت وقت ركوب "البوكس"، تلك العربية المفتوحة من الخلف، والتي لا يزور الهواء ساكنيها من وراء قضبان "كفاية إني بشم هوا وبشوف الشمس".

كانت الكرة هى تسريّة سلطان داخل السجن "كنت بلعب ساعات مع واحد من الجنائيين أسئلة، سؤال قدام سؤال في الكورة"، فيما كان يُغمض عيناه أحيانًا ليتذكر هدف شهير لميسي فتنفرج أساريره، الخطابات كانت تُسليه هى الأخرى وتهوّن عليه، فمنذ الزيارة الأولى التي تحدث فيها لأهله، طلب منهم أن يحضروا له ورق وأقلام. "أنا لست أدري هل ستذكر قصتي، أم سوف يعروها النسيان" كان ذلك هو البيت الأول -للشاعر"هاشم الرفاعي"- الذي بدأ به سلطان أول جواباته لأصدقائه وأهله.

6

7

يوم السبت الموافق التاسع من يونيو، طرق سمع سلطان كلمة "اخلاء سبيل" لأول مرة، ثُم قامت النيابة بالاستئناف، مما جعل الشاب في حالة من الخوف، لكن تأكد قرار الإخلاء يوم الاثنين، بعدها تم ترحيل سلطان من قسم ثان مدينة نصر، لقسم الخليفة ومنه إلى محافظته "المنوفية" رأسًا.

"كل الشوارع والمباني اللي مش هدخلها تاني" هو بيت الشعر الثاني الذي خطّه سلطان برسالته الأولى، غير أنه بعد 21 يوم تمكّن من رؤية شارع القصر العيني، وميدان التحرير، رآه حينما عبر "بوكس" الشرطة الذي قام بترحيله إلى المنوفية.

تظلّ تجربة السجن هي الأهم بحياة سلطان، إلى الآن، التفهم لنفسية البشررغم الإختلاف هي عين أخرى أضيفت لروحه من خلال التجربة، معرفتة سلطان بحقوقه كمواطن مصري لم تغير من واقع الأمر شيئًا، ففي كل مرة يقررعدم استخدام تلك الحقوق ، "لازلت مُصِر مفيش حاجة اسمها حقوق مواطن في البلد دي"، ورغم ذلك فإن رغبة الهجرة انتفت لديه، الأمنية التي تملكته قبل السجن وتبخرت بخروجه منه "حسيت إني مش هقدر أعمل ده لأنى قدرت قيمة الناس، الجنة من غير ناس متنداس".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان